يحل عيد الفطر على المسلمين في ايطاليا وسط تدابير من الحذر والترقب بعد فرض السلطات في البلاد عددا من القيود على تحركات المهاجرين خوفاً من اي فلتان أمني. الا ان الجاليات العربية تصر على إتمام واجباتها خاصة مع الضيوف الذين يبرز بينهم العديد من الشخصيات الدينية الكاثوليكية، بعد اتخاذ دولة الفاتيكان موقفاً إنسانياً ثابتاً ، خصوصاً من المهاجرين الغير شرعيين.
روما: خلال السنوات الثماني الأخيرة، أي منذ هجمات 11 سبتمبر/أيلول 2001 لغاية اليوم، تغيرت ملامح التعايش في أوروبا بين المواطنين الأوروبيين والجاليات العربية لا سيما ان كانت الأخيرة ذات جذور مسلمة. إذ بعد أن كانت معادلة "العربي-إرهابي" تتأرجح بين نظريات متفرعة تراوغ بعض الجهات في تفعيلها وتطبيقات محدودة ها هي تتحول اليوم الى قانون بكل معنى الكلمة يتجسد واقعياً في الهوس الأمني حيال كل ما هو عربي مسلم، مقيم بأوروبا.. لأسباب ما.
ويحض هذا الهوس الأمني الجاليات العربية، اعتباراً من الجالية المغربية التي هي الأكبر حجماً بايطاليا، على الانتباه على كل شاردة وواردة تحصل على الساحة المحلية.
بالطبع، فان كل ذلك يجلب معه التداعيات السلبية على نمط حياة هذه الجاليات الحساسة حتى عندما يعيش مواطنوها أجواء العيد. فالفرح واجب بيد أن الحذر والترقب واجب كذلك. الى جانب جزيرة صقلية، التي استوطنها العرب لفترة طويلة تاركين وراءهم حضارة دينية وثقافية غنية، تتركز الجاليات المسلمة الأكثر كثافة في مدن وسط ايطاليا وشمالها، كما روما وبولونيا وتورينو وميلانو.
وكل فرحة عيد تجلب معها لأبناء الجاليات العربية شعوراً باللذة الروحية والدينية والعائلية التي يفضلون مشاطرتها داخل جاليتهم وليس خارجها. هذا ما يطغي على أجواء العيد حرارة شرقية، يولدها فرح أبناء هذه الجاليات، تحاول البرودة الغربية إطفاءها بصورة غير إرادية.
فالشرخ الموجود بين الأوروبيين والعرب، لناحية التعايش واتباع تقاليد وعادات ولغة قد يواجه قسماً من العرب صعوبة في تعلمها وفهمها. علاوة على ذلك، فان التعاون البوليسي، الأميركي-الأوروبي، فرض قيوداً عدة على تحركات المهاجرين في أوروبا. فمراقبة الهويات وجوازات السفر، على الحدود الأوروبية البرية والبحرية والجوية، خوفاً من "الفلتان الأمني" الذي يمكن لبعض المجموعات العربية المتطرفة دينياً أن تشعله، عكست معها موجة حذر مبالغ بها من العرب والمسلمين مما حد من سفرهم أم تنقلاتهم، حتى أثناء العطل والأعياد، لأجل لم الشمل العائلي. هذا ويعتبر منح أم تجديد تراخيص الإقامة لهم جزءا من موجة الحذر هذه. على الصعيد الإيطالي فان التدقيق في متطلبات الإقامة بلغ أقصى ذروته، وفي بعض المدن، كما روما وميلانو، فان تجديد الإقامة قد يتطلب أكثر من 18 شهراً بغض النظر عن اللون السياسي الحاكم.
مع ذلك، تصر الجاليات العربية على إتمام واجباتها أثناء فترة العيد بخاصة مع الضيوف الذين يبرز بينهم العديد من الشخصيات الدينية الكاثوليكية.
بالفعل، وعلى عكس ما تقوم به التيارات والأحزاب السياسية من مناورات وتجارب حول هذه الجاليات، بهدف استقطاب أكبر عدد من الناخبين، تتخذ دولة الفاتيكان موقفاً إنسانياً ثابتاً منهم، خصوصاً من المهاجرين الغيرشرعيين، يرتكز على توطيد الحوار وتقديم شتى المساعدات لهم.
مما لا شك فيه أن الأزمة المالية فتكت بآلاف العمال هنا. كما أن غلاء المعيشة فرض على العديد من الأسر المهاجرة تضحيات ثقيلة المعيار. لكن أسر الجاليات العربية تستعد دوماً، وفق الوضع المالي لكل أسرة على حدا، لاستقبال العيد والاحتفال به قدر الإمكان بعزلة عما يحصل خارج المنزل! ويبدو أن رجال الدين العرب حققوا، في السنوات الأخيرة، خطوة أمامية خولتهم الانفتاح والحوار مع شخصيات بارزة من ديانات أخرى.
فمفهوم التضامن الاجتماعي يمثل أحياناً حلقة ناقصة في قلب الجاليات العربية بأوروبا. وفي حين تبلغ فترة الاحتفال بالعيد ثلاثة أيام على الأقل، في الدول العربية، لا نجد عطلة رسمية خاصة بها، في الدول الأوروبية حيث كل شيء ينحصر حول المشاركة بصلاة العيد، في أحد الجوامع، ثم تنظيم ما يتبقى من اليوم مع المؤمنين وأسرهم أم مع أفراد الأسرة حصراً. وفي حال كانت أيام العيد ضمن أسبوع العمل، فان العمل يأتي أولوية قبل العيد ما يعني أن الاحتفال بالعيد يجري بصورة متواضعة وصامتة. فالركض وراء لقمة العيش، بالنسبة للعمال العرب المسلمين، هدفاً رئيسياً لتواجدهم في الغربة حيث يستطيعون مساعدة أسرتهم وأقاربهم في الوطن الأم أي منبع حنينهم، أثناء العيد وخارجه.