[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]المعلق :
في الغابة المطيرة في "جاوه" التي تبلغ الرطوبة فيها الحد الأقصى، يبحث رجلان عن أثر لحيوان ضخم مرّ من هنا.
إنهما يبحثان عن أضخم وأندر حيوان ثديي على وجه الأرض. ويمكن أن يتجاوز وزنه الطن الواحد، ولكنه كالشبح الهارب في هذه الغابة الواسعة.
إن هذا المخلوق قد يدرّ عليهما مالا" لم يحلما به من قبل...
ولكن هذين الرجلين ليسا بصياديْن وإنما مهمتهما الحماية لا القتل.
لقد قضى Saridja حياته في حماية هذه الغابة وهذه آخر دورياته. هذه هي قصة الصراع لإنقاذ فصائل وحيد القرن الثلاث في آسيا. إنها قصة وحيد القرن المنسي.
أصبح عيش وحيد القرن في الغابة المطيرة المغلقة شبه مستحيل، ومع ذلك لا يزال صامدا".
منذ ملايين السنين، ووحيد القرن يعيش بسلام في أعماق غابة جاوه الغامضة.
وحينما تقلصت مساحة هذه الغابات بغرض الزراعة، اضطر هذا الحيوان إلى التراجع والإنسحاب وها هو اليوم معزول" كما لم يعزل من قبل. لقد اصبح هذا الحيوان على شفير الإنقراض ولم يبق منه سوى ستون رأساً في الطرف الغربي من غابة جاوه، وستة في الفيتنام.
إن هذه الصور قد تكون الأخيرة .
لقد نجا هذا الحيوان من الحيوانات المفترسة جميعاً ومن العصور الجليدية التي انقرضت فيها حيوانات كثيرة, ولكنه اليوم مهدد شأنه في ذلك شأن كثير من الحيوانات المتشابهة التي تعيش على بعد آلاف الأميال عنه.
يشبه ذو القرن الواحد أو ما يُسمى بوحيد القرن الهندي وحوش ما قبل التاريخ.
إن طيّات جلده الكثيفة والسميكة تجعله أشيه بالمدرّع.
بالنسبة الى الأوروبيين، يوحي القرن المنفرد الموجود في طرف جمجمته الطويلة بوحيد القرن الأسطوري. لقد دفع وحيد القرن الثمن لكونه مطلوبا".
لم يعد ما تبقى من وحيد القرن يعد حيوانات مفترسة فحاجاته بسيطة جدا" وهي تقتصر على مساحة للعيش ومرعى للأكل وماء للشرب والتمرّغ.
يعيش وحيد القرن في الأراضي الخصبة والسهول المغمورة بالمياه في شبه القارة الهندية أكثر مما عاش في الأراضي الشاسعة المعروفة بالهند والتي اتسعت لتشمل أجزاء من القارة الآسيوية.
... وتوجّه وحيد القرن نحو جبال الهملايا...
وقد منعه هذا الجبل من التمدد أكثر شمالاً.
وتوجهت فصائل وحيد القرن الثلاث الآسيوية من باكستان إلى شرقي الصين عبر جنوب غربي آسيا والهند والصين.
أما اليوم، فقلّ عدد هذه الفصائل الثلاث وأصبح لا يتجاوز ثلاثة آلاف رأس.
وفي القارة الأكثر إزدحاما على وجه الأرض ، أصبح عدد وحيد القرن قليلاً" حتى تجاوز التوقّعات.
يفوق عدد سكان الهند مليار نسمة وهذا العدد لايزال في ازدياد مستمر.
تعيش اليوم آخر فصيلة من فصائل وحيد القرن في بقع برّية صغيرة محاطة بكثير من السكان.
... يعيش زهاء ألف وخمسمائة وحيد قرن في سهول حديقة Kaziranga العامة التي تبلغ مساحتها مئة وستين ميلا" مربعا".
ويعّين طريق Assam العام هذا الجزء من الحدود الجنوبية لهذه الحديقة، لكن وحيد القرن والحيوانات المفترسة تُجبَر في بعض الأحيان على عبور هذا الطريق.
... وعند وصول الرياح الموسمية، يفيض نهر Brahmaputra نحو الشمال مجبرا" هذه الحيوانات على التراجع نحو التلال القريبة بعيدا" عن هذه المحمية.
وها نحن الآن في شهر شباط فبراير وهو موسم الجفاف ولا تزال الرياح الموسمية تبعد أشهرا" والمياه شحيحة.
حتى الآن، يتبع وحيد القرن النظام الخاص به الذي لطالما اتبعه منذ ملايين السنين.
المياه ضرورة ملحة لهذه الحيوانات ليس للشرب وحسب وإنما للتّمرّغ أيضا" الذي تمارسه هذه الحيوانات للراحة واتقاء شمس الهند المحرقة.
إنّ Kaziranga التي يحميها القانون والمحاطة بالنشاط الإنساني تعتبر ملاذا" ليس فقط لوحيد القرن وإنما للعديد من الحيوانات البرية...
الخنازير البرية والغزلان، فريسة طبيعية للنمور المتبقية، وكذلك الجواميس البرية المهدّدة بالإنقراض أيضا".
يقدر عددها حالياً بألف وخمسمائة، نصف هذا العدد يعيش هنا الى جانب وحيد القرن في حديقة Kaziranga.
الحديقة هي أيضاً محمية للفيلة الآسيوية وتعد ملجأ لها أمام الفيضان البشري الضخم.
يجمع ما بين الفيلة والإنسان رابط مشترك وهو التعاون في الحرب والعمل. فهذه الفيلة كثيراً ما حملت أثقال الناس الذين اعتادوا اصطياد النمور ووحيدي القرن... وفي سهول النيبالNepal ما زالوا يمارسون هذه العادة.
تحتوي الNepal اليوم على ما يفوق ستمائة رأس من وحيد القرن الضخم. وهي البلد الآسيوي الوحيد الذي يتسع للمزيد.
ويبحث هؤلاء الرجال عن المزيد من وحيد القرن لنقلها إلى حديقة عامة أخرى.
وضع هذه الحيوانات في إندونيسيا مختلف كليا". فالغابات المطرية التي كانت تغطي Borneo و Sumatra قد اختفت كليا" واستبدلت بحقول منبسطة لإطعام عدد السكان المتزايد.
تعدّ بقايا هذه الغابات ملجأ لفصائل وحيد القرن الآسيوية.هذا هو وحيد القرن السومطري، وهو أصغر وحيد قرنٍ في العالم. هناك أقل من أربعمائة وحيد قرن في الحياة البرية، وهو الآن مشتّت ومنعزل بعضه عن بعضه.
كما يتم اصطياده أيضا" للإستفادة من قرنه الذي يستخدم في تركيب الأدوية التقليدية.
يحدّد وحيد القرن الذكر هذا منطقته بواسطة رائحة حادّة كي يجذب أنثى له، ولكنه بذلك يغوي الصياد أكثر.
أوصل الإنسان هذه الفصائل الثلاث إلى مأساة.
ففي جاوه، أكثر جزيرة ازدحاما" بالسكان على الأرض، يزرع السكان الأرز في هذه الحدائق العامة.
تعد هذه القرية الواقعة في أقصى الغرب من جاوة، من ضمن حدود Ujung Kulon.
إنها وطن ثان لSaridja المدافع عن وحيد القرن.
يعمل Saridja في قسم الغابات الإندونيسية، وهو شرطي في الغابة. ولكن أيّام خدمته أوشكت أن تنتهي. وقبل أن يتقاعد، صمم على القاء نظرة أخيرة على الحيوان الذي يحبه.
وُلد Saridja في هذه المنطقة وترعرع هنا. وهو يعرف الغابة كما يعرف سكان المدينة أحياءهم.
يلقى Saridja من بين حراس الغابة، احتراما كبيراً" نظرا" إلى عمره المتقدم وخبرته الواسعة وفوق كل هذا، تعلّقه بوحيد القرن.
تقوم شرطة الغابة بكشف أي دليل على وجود صياد أو وحيد القرن.
يقرّر Saridja اكتشاف الداخل عن كثب وهو في طريقه إلى النهر الواقع على الشاطىء الشمالي.
فوحيد القرن يخرج إلى الماء يوميا"...
... وهذا هوأفضل مكان للبدء به.
ربّما كانت الغابة المطرية خير ملجأ لوحيد القرن ولكنّها قد تشكّل خطرا" على حياة الرّجال...
" أطلق عليّ صيادو وحيد القرن النار ذات مرّة. كنّا سبعة رجال ولكننا لم نكن نملك سوى بندقيتين. أطلقنا النار مجدّدا ولكن بندقية واحدة لم تكن تكفي. لذا اعتقدت بأنني سأموت".
وفي عالم الغابة المظلمة، يكون الصياد على بُعد أقدام من وحيد القرن ولا يدرك ذلك إلاّ وحيد القرن فقط.
... ولكن في سهول الهند الخصبة يجب أن يعتمد وحيد القرن على حواسه من أجل حماية نفسه.
إنه لا يرى بوضوح ولكن حاسة الشم عنده قوية جدا"، وهو عندما يلمح إنسانا" يتوجّه فوراً نحوه أو يولي مدبراً، لا يمكنك أن تعرف ما يضمره، كما أنه من الخطر الإقتراب منه...
ويساعده أيضاً سمعه الحاد جدا"...
... في امكان وحيد القرن تحريك أذنيه بشكل مستقل, ما يجعله يركّز سمعه على مصدر الصوت... وبهذا يحدّد مكان الحيوانات الأخرى.
هذه الأنثى لا تهاجمها الحيوانات المفترسة لأنها كبيرة الحجم ومحميّة تماما"إلاّ أن جروها غير محصّن من قبل الحيوانات المفترسة الباقية كالنمر.
فالأم ستتحدى أي مخلوق قد يقترب منها " ، وحتى وحيد القرن الذكر يحذر الإقتراب منها.
أما نقطة الضعف الأساسية لديه فهي حاسة البصر لأنه يرى العالم مظلما" بسهوله الكثيفة وغاباته المطرية...
... إنّ الصياد، الذي يدرك هذا الأمر، يستطيع الإقتراب منه أكثر...
أن قرن هذا الحيوان الذي هو رمز القوة هو سبب سقوطه.
فقد يصل ثمن قرن الذكر إلى مئتين وخمسين ألف دولار وهي ثروة في آسيا حيث يُقاس الدخل السنوي بمئات الدولارات فقط.
لا تزال البندقيات موجودة في Kaziranga ولكنها تُستعمل لحماية وحيد القرن.
أو أي حيوانات أخرى في الحديقة...
حتى ولو كانت جواميس المياه المتوحشة...
أو السنانير التي تتغذى بجيفة جواميس قتلتها النمور في الليلة الماضية...
فلكل الحيوانات قيمة هنا وهي لا يمكن أن تثمّن بالدولارات...
فهذه الحيوانات ليست ملكاً للهند فقط وإنما للعالم كله.
وهؤلاء الحراس هم خط الدفاع الأول في بلد غير قادر بسهولة على خوض أي حروب.
يوجد أكثر من مئتي حارس في Kaziranga وكلهم من الرجال. وهم يعيشون في الحديقة ويعودون إلى عائلاتهم حيث يقضون لديها بضعة أسابيع كل عام .
يقومون بدوريات مسلّحة على مدار السنة، ولكنّ الصيادين الذين يواجهونهم أكثر استعداداً منهم.
أن هؤلاء الرجال يواجهون خطراً أكبر من قبل المخلوقات التي يدافعون عنها" ، كما أن الحراس يُقتلون عند مواجهة وحيد القرن.
ولكن هؤلاء الرجال لا يطلقون النار عليها. فالحيوان في Assam هو رمز القوة وإذا واجههم وحيد القرن يطلقون النار في الهواء متأملين هروبه...
... ولكن، إن قرر الهجوم فتلك مشكلة
لقد سمحت الحماية المستمرة بازدياد أعداد وحيد القرن من اثني عشر في عام ألف وتسعمائة وثمانية وصولا" إلى ما يزيد على ألف وخمسمائة... وهذا يعدّ نجاحا" ملحوظا". ولكن Kaziranga محاطة بالزراعة. ولا يوجد مكان آخر يذهب إليه وحيد القرن هنا.
ومن جهة الشمال، تمتدّ جبال هملايا عبر القارة كالعمود الفقري لوحش ضخم.
وفي Nepal، الواقعة على سفوح الجبال، كانت المنحدرات الخصبة والسهول الغنية مرتعا" لعدد كبير من الحيوانات البريّة. فرحل معظمها واستغل المكان في الزراعة.
وهنا, في Chitwan الحديقة العامة الملكية في Nepal، نجد أنّ الفيلة المدجنة قد اعتادت إدارة الحديقة والحماية والصيد كذلك.
ومنذ عام ألف وتسعمائة وثمانية وستين، لا تزال ال Nepal تواصل سياسة ترحيل وحيد القرن من حديقة إلى أخرى والتي تبعد خمس ساعات. واليوم، هناك ترحيل آخر على وشك أن يبدأ. وهو سيدوم ثمانية أيام، كما ينوي الرجال نقل عشرة من وحيد القرن.
ويستمر التفاهم بين الفيل وسائقه مدى العمر، فالفيلة تستجيب لأكثر من أربعين أمرا مختلفا و يكون معظمها من دون كلام.
إن هؤلاء الرجال متمرسون على الترحيل مسبقا". فمنذ بدء البرنامج، تم نقل ما يزيد على ستين وحيد قرن بنجاح من Chitwan إلى Bardia.
إن التشكيل السكاني الجديد سيساعد على إبقاء وحيد القرن في الNepal وذلك بواسطة إحداث سلالات جديدة وأحواض جينية جديدة أيضا".
ولكنه ضمان صعب وخطر.
ومنذ بضعة أسابيع، تمت معاينة منطقة وُجدت فيها أعداد هائلة من وحيد القرن. والآن تبدأ مهمة اختيار الحيوانات التي يجب ترحيلها.
إن استخدام الفيلة هو الطريقة الوحيدة التي يستطيع من خلالها عمّال الحديقة إجتياز الوحل العميق... ورؤية الأعشاب من على ظهورها والتي ترتفع أكثر من عشرة أقدام.
قد تبدو هذه التقنية من الطراز القديم، ولكن الصيد هو المرحلة الأولى في هذا التمرين الحذر والذي يأخذ مكانا" في الدقّة العسكرية.
إن الإختيار يقع على وحيد القرن الصغير و القوي فقط. فهو الأفضل في مجاراته لجهد الترحيل، والمتأمل أن يتم التناسل في الموقع الجديد. يبحث الفريق عن الحيوانات الملائمة...
... إن أنثى وحيد القرن و جروها الصغير الذي لا يستطيع العيش وحيداً لا يتم اختيارهما.
لا يخاف وحيد القرن من الفيلة، و لكنه يستطيع أن يشم رائحة الرجال و سماعهم.
يبدو متوتّرا" و مستعدا"ّ للهجوم... لكنّ الفيلة و سائقيها مدرّبون على مواقف شبيهة بهذه... يلازم مكانه...
و أخيراً، تمّ فصل وحيد القرن الملائم. و ترعى الحيوانات المختارة تدريجياً إلى مكان مفتوح تكون أرضه صلبة.
و بهدوء تام، تُحاط هذه الحيوانات بالفيلة، ثمّ تُنقل إلى مكانٍ تبدأ فيه المرحلة الثانية.
من المستحيل نقل حيوان وحشي يملك قوة ضخمة من دون أن يقيد، و هذا لا يحصل إلاّ بطريقة واحدة...
فبدلاً من الرصاص، تُحشى البندقية بمسكّن قوي... و يُفسح لوحيد القرن في المجال ريثما يأخذ المخدر مفعوله.
و عندما تظهر آثار المخدر عليه، يسقط وحيد القرن على فخذيه لأنه يشعر بالتعب فجأة. فيسارع الرجال إلى العمل.
في البدء يتم حماية العينين. و بعد ذلك يحدد الطبيب البيطري عمر الحيوان ونوعه، ثمّ يعاينه ليرى ما إذا كان مناسباً للترحيل. و إن شعر بأن الحيوان ليس قوياً كفاية يقوم بإيقاظه و إطلاق سراحه.
والخبر الجيد: أنه ذكر قوي و سليم البنية. و تبدأ المرحلة الثانية. إنهم يعملون بسرعة، فليس من المستحسن أن يبقى وحيد القرن تحت تأثير المخدر أكثر من ساعة.
تثبت به حلقة معدِنية هي جهاز يسمح بتعقب الحيوان مدة لا تقلّ عن ثلاثة أشهر في بيئته الجديدة. هذه الحيوانات ثمينة جداً وتُراقب طريقة عيشها بعناية تامّة.
أعلنوا عن نجاحهم، و يصل الآن الجرار الذي يقطر المزلجة.
تؤخذ من الحيوان عينة دم تساعد في وضع معلومات أساسية عن جيل جديد من هذه الحيوانات.
و في هذه الأثناء، يحفِر الجرار حفرة إلى جانب الحيوان. و بطريقة ما، يتجنّب السائق وحيد القرن و الناس في هذا العمل المشحون بالإضطراب.
ويستمر الطبيب البيطري في المراقبة طوال الوقت ،فإذا استيقظ الحيوان الآن، يصبح الوضع خطراً.
يتم إكمال الحفر يدوياً حرصاً على عدم ايذاء وحيد القرن.
تعدّ المرحلة التالية الآن من اللحظات الأكثر خطراً على وحيد القرن.
و بالإعتماد على قوة الرجال يُوضع على المزلجة و لكن إن بقي على هذا الوضع طويلاً فسيسحق وزنه أضلاعه.
و بحذر شديد، يُثبّت وحيد القرن لأنه إذا سقط في هذه الرحلة القصيرة إلى القفص سيذهب كل هذا العمل سدى.
وحالما تربط الحبال بإحكام، تُجر المزلجة نحو ميل واحد باتجاه الموقع الذي ستبدأ فيه المرحلة التالية.
تصل الشاحنة إلى الحفرة وهي على مستوى الأرض كما يكون هناك قفص كبير موجود لنقل هذا الحيوان.
و يكون الفريق الآن قد وصل إلى نقطة لا رجعة فيها لأنهم إن أطلقوا سراح هذا الحيوان سيكون هناك خطر كبير على حياة العمّال.
لقد بُني هذا القفص بمواصفات دقيقة، فهو مفتوح من الجهتين ليسهل عمل الجرار في قطر المزلجة إلى الداخل و هو ليس كبيراً جداً ما يؤذي الحيوان نفسه أو يحدثُ ضرراً بالقفص.
و عندما يصبح الحيوان و المزلجة في داخل القفص، يغلق الباب الخلفي و يثبّت.
يعطي الطبيب البيطري الذي انحشر في الداخل الترياق للحيوان ليبطل مفعول المسكن، و ما يشير إلى أن وحيد القرن قد بدأ يستيقظ، حركة أذنيه الخفيفة...
... و الآن يُخفض الباب الأمامي للقفص.
و لا يمكن سحب المزلجة من تحت قدميه إلاّ عندما يقف و هكذا يصبح القفص آمناً أخيراً.
نأتي الآن إلى المرحلة الأخيرة: إنّ الوزن الكلّي للقفص و وحيد القرن يتعدى ستة آلاف رطل، لذا يجب نقله بدقة إلى الشاحنة.
هذا الحيوان سيؤخذ إلى Bardia التي تبعد خمس ساعات.و هناك يوجد ما يتعدى الخمسين من وحيد القرن التي نقلت من Chitwan.
لقد أخذ أسرُ هذا الحيوان الجزء الأكبر من النهار.
و سرعان ما تمّ تأمين كل شيء، غادرت الشاحنة. فكلما كان وحيد القرن في القفص وقتاً أقصر كان ذلك أفضل.
لا يزال هناك مكان في Nepal يتسع لمزيد من وحيد القرن، و لكن في الأجزاء الأخرى من آسيا، لا يجد وحيد القرن المنسي مكاناً آخر يلتجئ إليه.
يحيط بجاوه في إندونيسيا، المحيطات من جهات ثلاث. إنّ الغابة هنا هي الملجأ الأخير لفصائل وحيد القرن القليلة الباقية في جاوه.
قبل أن يبدأ دوريته، يجلس Saridja وحده و يصلي.
و تبدأ دوريته الأخيرة في نهر Tjiganter و هناك لُمح وحيد القرن من قبل. ينطلق الرجلان بهدوء من دون كلام مستمعين إلى أصوات في الغابة.
Saridja مضطرب إزاء اللمحة الأخيرة التي يلقيها على وحيد القرن الذي يحبه...
...كما أن نسر الأفعى ذا العرف الذي يأكل لحم السمك لم يقاطعه مرور الزورق الطويل.
إنه نهاية فصل الجفاف تقريباً، الوقت الذي تتوقف فيه الأنهار عن التدفق...
...و في هذا الوقت من السنة، تشير الأمطار إلى وصول الرياح الموسمية.
عند وصول الرياح الموسمية تفيض الأنهار فيصبح من المستحيل البحث عن وحيد القرن. و لكن الآن في نهاية هذا الجفاف سيخرج وحيد القرن إلى النهر للبحث عن الماء المتبقّي. و هنا يجد إشارة: إذ إن هذا الروث الطافي يدل Saridja على وجود قريب له في النهر ، إنه عير بعيد ...
... لقد اقترب كثيراً حين رأى آثار الأقدام لحيوان على ضفة النهر و هي آثار مسبقة.
يأتي وحيد القرن إلى هنا ليشرب و يتمرّغ ثم يذهب.
إنّ شكل الآثار و رائحة الأرض يعلمان Saridja بالوقت الذي كان فيه الحيوان هنا. و يقول:" منذ يومين". و في بعض الأحيان قد يبقى وحيد القرن قريباً من المياه.
و لكنه لا يستطيع شم رائحة الحيوان... و إلى الآن يكون قد توغّل في الغابة.
في ثلاثين عاماً من الخذمة في Ujung Kulon، لم ير Saridja وحيد القرن، أكثر من خمسين مرة و لكنه كان يراه في المياه دائماً لأنّ التمرّغ عند وحيد القرن حاجة ملحة و أساسية تماماً كحاجته إلى الإرتواء.
في الهند، في منطقة Kaziranga، يتعين على وحيد القرن المنسي أن ينزل في حفرات الوحل للتمرّغ فيها و هي معروفة عند سكان Assam ب"Bheels".
و كلّما اشتدت الحرارة نهاراً، نزل المزيد من وحيدي القرن في”bheels” للشرب و التمرغ.
فالمياه تمنح الراحة وتزيل الحشرات و تمنع تشقق الجلد السميك لدى هذه الحيوانات. كما أنها تزيل بعض الاثقال العالقة على القوائم.
وبواسطة ما تتمتع به من حاستي شم وسمع قويتين، تبقى متنبهة دائماً من مخاطر
الحيوانات الأخرى و لكن قد يدخل حيوان ما في بعض الأحيان مكان حيوان آخر.
يشعر الحيوان بما يهدد حياته، و تكون الوسيلة مخادعة في معظم الأحيان و لكنها تنجح.
و عندما تتقاتل هذه الحيوانات تتأذى فعلياً الأسنان السفلى كالأنياب الصغيرة أكثر من القرن.
إنّ "bheel" هو المكان الذي يتجمع فيه الحيوان الأصغر.
ففي بعض الأحيان، يظهر الذكور الصغار اهتماماً متبادلاً وهذا يساعدها على البقاء آمنة، إذ يتقاتل الذكور في فصل التناسل،.
و إلى الآن، يعتبر العراك طريقة مفيدة في قضاء الوقت ولكن يوماً ما قد يصل هذا الصراع حد الموت.
يشعر وحيد القرن بالارتياح في تمرّغه الذي يستخدمه كمنصة للصيد الهيّن. مالك الحزين هذا يريد الصيد في المياه التي قد تكون بدلاً من ذلك بعيدة المنال.
و لكن الإزدحام في “bheels” خلال فصل الجفاف يصبح غير محتمل في بعض الأحيان.
ما يثير ثورة وحيد القرن غير واضح كلياً...
و في بعض الأحيان، يكون عدوان الحيوان الأكبر أكثر بكثير من الأصغر...
...و هنا يكون الخيار الأسلم هو الانسحاب السريع.
و لكنّ الحيوانات المتنقلة تشكل خطراً على الحراس و خصوصاً إذا وجدت الأعشاب الطويلة. فإن تواجه الطرفان ، لا يكون عن التصدي بديل.
في Kaziranga، تُقام الدوريات كل يوم في السنة.
إن الحراس في خطر شديد ليس بسبب وحيد القرن فقط و إنما بسبب وجود صيادين مسلحين
يدخلون الحديقة لقتل وحيد القرن والانتفاع بثمن قرنه الباهظ.
في جاوه، لا يواجه Saridja و رفيقه أي مشكلة مع وحيد القرن أو مع الصيادين إن تعثّرا بمجموعة منهم، لذا فهما لا يحملان السلاح.
جفّ النهر وعليهما المتابعة مشياً على الأقدام متجهين نحو الجنوب حيث لا تزال الأنهار تتدفق.
و لكن الرجلين منعزلان تماماً، و هما لا يحملان أي جهاز يعمل تحت ظلال الغابات الكثيفة. و إذا حصل شيء لهما، تصل المساعدة بعد يومين من المشي. و الآن يقترب Saridja من شيء خطير...
إنه ملك الكوبرا. في البدء يبدو و كأنه وحيد و لكن saridja يلاحظ أنه عالق في صراع مميت مع ثعبان كبير جداً.
إن رأس الكوبرا تمسكه لفّات الثعبان بإحكام... فكلا الثعبانين يأكل ثعابين أخرى، والمخرج الوحيد هو موت أحدهما، يجب على الثعبان أن يمنع الكوبرا من الإنزلاق و الهروب لأن الثعبان الأصغر إن حرّك رأسه فسيغرس أنيابه السامة في الثعبان الأكبر.
ليس النصر أمراً سهلاً. فهذان الثعبانان العالقان في عناق مميت يكافحان من أجل النجاة
لا يحب Saridja الثعابين لأن كثيراُ من الناس في آسيا قد ماتوا من لدغات الأفاعي.
تتحرك الكوبرا بسهولة إنشاً بإنش و يقرر Saridja التراجع لأنّ الكوبرا عدوانية، و في حال هربت فستهجم عليهما بسهولة.
وبعد بضع ساعات، يمرّان أمام شارة تدلّ على أنّ أشخاصاً آخرين كانوا في الغابة من قبل.
إنه كوخ صغير يدل على مخيم للصيادين. لقد جاؤوا لسرقة ما تبقى من الأحياء البرية في الحديقة من أجل الإتجار بالحيوانات المحرم بيعها.
يعلم Saridja أن طرق بعض العصي لن يوقف الصيادين و لكنها عادة وحسب. فكل ما يمكن لقسم الغابات الأندونيسية فعله هو الإبقاء على الدوريات و الحفاظ على ما تبقى من الغابة في حديقة Ujung Kulon قدر المستطاع...
و لكن الحديقة العامة في الهند كKaziranga لا يمكن إنقاذها إلا بالتدخّل الحذر وهذا يعني إشعال النار المنظم. ففي كل سنة تُضرم النيران من أواخر شباط حتى أوائل شهر آذار.
يشعر وحيد القرن بالنار و يشمّ الرائحة...
فيهرب غريزياً من اللهيب المقترب نحوه.
تبدو الغابة مدمرة كلياً،
تعتبر Kaziranga منطقة صغيرة و تستوعب الكثير من الحيوانات التي تعدّ النار طريقتها الوحيدة للحصول على الأعشاب الجديدة الضرورية لهذه الحيوانات.
فإذا بقيت الأعشاب الطويلة فسيجعلها تدفق مياه الرياح الموسمية مسطّحة. و عندما تجفّ المياه من جديد ستخنق الأرض و تمنع نمو الأعشاب.
و لكن مع إشعال الحريق الآن، يؤكد حراس الغابة أن الأعشاب ستنمو من دون أي توقف.
و هكذا نجد أن الحياة تنبعث من لهيب الدمار. و لا تشتعل النيران إلاّ عندما تكون الرياح مؤاتية لذلك و تحترق الحديقة ببطء على شكل أقسام كالخريطة الفسيفسائية.
وفي غضون أيام قليلة، تنبت براعم جديدة من الأرض المحترقة في فصل الربيع الذي أتى بموعد آخر...
... يأتي وحيد القرن ليأكل سيقان النباتات المحترقة و الأعشاب الحلوة.
إنّ نمو الأعشاب الجديدة يجذب حيوانات أخرى أيضاً...
..لا يبحث الفيل الأعزب عن الطعام فقط وإنما عن شريكة له، فذكور الفيلة تعيش وحيدة، بينما تقضي الأناث و الصغار حياتها ضمن مجموعات عائلية تجمعها روابط اجتماعية قوية.
إنّ خرطوم الفيل آلة رافعة و أداة محكمة في آن واحد. و يمكن للخرطوم أن يرفع جذع شجرة يزن طناً واحداً تقريباً وأن يقتلع الأعشاب المختارة.
تنمو أنياب للفيلة الآسيوية الذكرية فقط. ويسمح للفيلة الصغيرة التي تنتمي إلى مجموعات البقاء فترة معينة وحينما تبلغ سن الرشد تُنفى لتعيش حياة منعزلة.
يوجد في كل أنحاء الهند نحو عشرين ألف فيل بري. و تُعدّ Kaziranga وطناً لألف منها. و لكن الأمر المأساوي هو أنه أصبح من المستحيل على الفيلة مواصلة الترحل من Kaziranga وكذلك بالنسبة لوحيد القرن وجميع الحيوانات الضخمة لأن المكان بدأ يضيق.
إنه اليوم الخامس من عملية الترحيل في حديقة Chitzan العامة في النيبال وسيحاول الفريق القيام بتحد أكبر.
لقد انقضّوا على فيلة تتمتع بصحة جيدة. لقد قامت بتربية الجراء وهي على استعداد لتحمّل المزيد بعد
إن برنامج الترحيل ناجح" جدا" وستكون هذه الفيلة الحيوان الأول الذي سيبدأ بعملية التناسل السكاني الثالث الجديد.
هذا يعني أنها ستسافر مسافة أطول من تلك التي جرت من قبل. ومع أنّ السلطات مقتنعة بأنها تتحمل ضغوطات الرحلة التي تدوم ثماني عشرة ساعة فان هذه الرحلة تتضمّن خطرا" ملحوظا".
وحالما يُغلق القفص تغادر الشاحنة. إن الليل هو الوقت الأفضل للسفر لأن الطريق المتجه غربا" يكون أقل ازدحاما" كما أن الجهد يكون أقل على الحيوان.
يبقى وحيد القرن مستيقظا" في الليل ويأكل في البرد والظلام. وهذا يحدث عندما يكون معرضا" للصيد وخصوصاً عندما يسود الظلام كليا". لذا يصبح الحراس يقظين أكثر.
في النيبال، تكون الرحلة أطول وأبطأ بكثير.
لقد قطعت مسافة ثلاثين ميلا" في الساعة فقط منذ الفجر ولا يزال هناك تسع أو عشر ساعات للوصول.
ولكنّ الشاحنة قد قطعت نصف المسافة ولا يمكن العودة الآن.
وإذا أُصيب الحيوان بالمرض أو آذى نفسه فلن يكون هناك إلا القليل لإنقاذه.
إن هذا الريف كان مسكنا" لوحيد القرن ذات مرّة... ولكن الناس الذين أتوا من الجبال زرعوه من أجل التوسع في السهول القاحلة والجافة.
تعتبر النيبال بلداً فقيراً، ولكن بمساعدة الموارد المالية العالمية دفعت نحو ثلاثين ألف دولار على الترحيل فقط. إنه خدمة كبيرة لهذه الفصائل التي نسيها الناس.
وأخيرا" وصلت البضاعة الثمينة، بعد ثماني عشرة ساعة على الطريق ، إلى Soukla Phanta وهي منطقة الأعشاب البرية.
يطلق سراح وحيد القرن مباشرة نحو البرية لا إلى الحظيرة المسيجة التي قد يؤذي نفسه فيها.
فُتح القفص... ولكن لم يحدث شيء ... لا يزال وحيد القرن ممددا" على الأرض...
... ومن ثم مشى بإضطراب إلى الخارج... فتنفس الرجال الصعداء.
ومع إلقاء نظرة أخيرة ومحيّرة إلى الشاحنة ولكن ليست نظرة تدل على العدوان، مشت هذه الأنثى خطواتها الأولى نحو العالم الجديد.
إن هذا الترحيل الجريء ناجح... وبعد مرور يومين ستنضم إلى وحيد القرن الذكر وإلى اثنتين من الأناث.
وإذا تمت عملية التناسل كما حصل في موقع آخر من الترحيل فسيكون هناك ثلاث فصائل مميّزة وسيبدو مستقبل وحيد القرن هذا أكثر إشراقا" في النيبال.
فوحيد القرن لا يحتاج الى الكثير... أنه بحاجة إلى مساحة يعيش فيها ويرعى العشب ومياه للشرب والتمرّغ... ومع وجود البيئة السليمة سيزداد تناسل هذه الفصائل بسهولة. وستنجب الأنثى على مدى العمر العديد من الصغار وستحميها بقوة.
إن الجراء الصغيرة التي تزن نحو مئة وخمسين رطلا" عند ولادتها تكون أكثر عرضة للخطر...
... ولكنها تبقى مع أمها في السنوات الثلاث الأولى والتي هي من أطول العلاقات التي يقيمها وحيد قرن مع أبناء جنسه.
ولكن في الوقت الذي يتناسل فيه وحيد القرن في الهند والنيبال، لا يزال هناك حيوان يعيش في الاسر...
... في Borneo وSumatra تختلف القصة جدا".
إن حيوانات وحيد القرن السومطرية مأسورة... وهذا واحد منها... ولكن التناسل لم يتم بسهولة. ولا يُعرف إلا القليل عن أصغر الفصائل الآسيوية التي لا نفهم حاجاتها ".
لعل الأمر يعود إلى المساحة والوقت ولكن وحيد القرن السومطري قد سبقهما بأشواط. قد لا يعيش هذا الحيوان، الذي يمكن أن نتقفّى تاريخه منذ ملايين السنين، حتى نهاية هذا القرن.
وهنا في المحطة الأخيرة في جاوه، لا أحد يعرف كيف تُرك وحيد القرن.
لا يزال Saridja في الغابة منذ ثلاثة أسابيع وهو يلقي الآن النظرة الأخيرة على الحيوان الذي قضى سنوات في حمايته.
شهد القليل من الناس هذا الحيوان وهناك احتمال كبير بأنهم سيتوقفون عن ذلك قريبا". ليس هناك وحيد قرن مأسور في جاوه وبمنحه الأرض سيكون من الصعب نقله، إضافة إلى أنه لا يوجد مكان ينقل إليه.
ولكن يبدو أن هذه الفصائل متشبثة بالحياة فقد قيل أخيرا" إن هناك أربعة جراء جديدة من وحيد القرن في Ujung Kulon وهي المحطة الأخيرة في جاوه.
بالنسبة إلى Saridja، يتطلب الحفاظ على وحيد القرن أكثر من الحفاظ على الفصائل.
أما في الهند والنيبال، فيبدو المستقبل أكثر إشراقا"، فأعداد وحيد القرن قد تزايدت في العقود الأخيرة الماضية من أقل من مئتين إلى ما يزيد على ألفين وثلاثمئة...
... ولكن وحيد القرن نجا بفضل الله بسبب الجهود المبذولة لحمايته.
وفي خارج Kaziranga، تشير التقارير إلى أن الأعداد تتضاءل عاماً بعد عام.
... وفي حال انقرض وحيد القرن ، فسيكون هناك ما نفتقده... ألا وهو فصائل أخرى أو اثنتان من الآلاف التي انقرضت من قبل "
هل يتغير العالم بزوال هذه الحيوانات؟ ربما. ولكن المكان سيكون ناقصا".إنه نحن من أوصلها إلى النهاية . وإذا كان هناك بعض الدول الفقيرة التي تستطيع القيام بذلك، فستفعل.. لا ينبغي نسيان وحيد القرن الأفريقي...