المعلق:
عندما يفكر معظم الناس في "كالاهاري"، يتخيلون الرمال الذهبية بدلا من المياه الزرقاء. ولكن هنا في شمالي "كالاهاري" في "بتسوانا"، يغذي نهر "تشوبي" العملاق رمال "كالاهاري" بوفرة.
ينبع نهر "تشوبي" في مرتفعات "أنغولا" ويمر عبر كثبان الرمل ويكبر بسبب روافده بينما يتدفق شرقا نحو قريبه نهر "زامبيزي".
هنا تستقبل مياه "تشوبي" الزرقاء أكبر قطيع فيَلة في العالم ويصل عددهم إلى خمسة عشر ألف فيل. تتوجه القطعان الصغيرة إلى ضفتي النهر يوميا لتروي ظمأها. ففي داخل البلاد الرملي والجاف، يبعد أقرب مصدر للمياه ثمانين كيلومترا عن هذا النهر المتدفق، وهي مسافة يصعب على الفيلة الصغيرة أن تقطعها خصوصا في الموسم الجاف.
مياه النهر المتدفقة دوما نعمة ونقمة في آن واحد بالنسبة للفيلة. فالنباتات الموجودة قرب النهر تستهلك بسرعة ما يعني أن الفيلة مضطرة للابتعاد عن المياه لتجد الطعام، ثم تعود مجددا. وبالنسبة إلى صغار الفيلة التي لا تقدر على استعمال خراطيمها بشكل صحيح لشرب الماء، يمكن أن تكون هذه الرحلة اليومية متعبة جدا.
هذا الفيل الصغير يتعلم كيفية استعمال خرطومه. أما الفيلة الأصغر منه فلا يمكنها استعمال خراطيمها لشرب الماء. فبوجود أكثر من ألف عضلة في الخرطوم الصغير، يحتاج الفيل الصغير إلى الوقت ليتعلم السيطرة على خرطومه واستعمالاته المتعددة.
ويعد النهر أساسيا لأكثر من خمسمئة نوع من الطيور التي تتبع مجراه. هنا نجد طيور القاوند المتعددة الألوان تصطاد صباحا في مياه النهر، وهي طيور القاوند الوحيدة التي لا تحتاج إلى مجثم لتصطاد. فهي يمكنها أن تبقى ساكنة بانتظار فريستها.
"تشوبي" مكان رائع باهر الجمال، قال عنه الصياد الشهير "أف بي سيلوز" الذي اصطاد مع الرئيس "ثيودور روزفلت" في القرن التاسع عشر ما يلي: "لم أر مكانا أروع من هذا المكان خلال رحلاتي كلها".
والنسر الأفريقي صياد معروف في هذه المياه، وتترصد المئات من هذه النسور فريستها على ضفتي النهر.
وتنجذب آلاف الجواميس إلى النهر لتروي ظمأها من مياه نهر "تشوبي" ويلفت وجودها العديد من الحيوانات المفترسة التي تنتظر على ضفتي النهر وروافده المختلفة وتختبىء متحيّنة فرصتها للانقضاض على فريستها.
تطير أسراب طيور الناقر التي تتميز بمنقارها الأحمر إما برفقة القطيع وإما تحط على ظهور الجواميس. وهي تتغذى من حشرات القرادة التي تحملها الجواميس أو من الدم المتدفق من الجراح أو القروح على جسد الجواميس. هذا فرخ صغير يطعمه أهله ويعتنون به.
بعد هطول الأمطار الغزيرة وعندما تنمو الأعشاب الطويلة حول روافد النهر، تتجمع الفيلة بالمئات ليستمتعوا بالمياه والوحول والطعام والرفقة في الوقت نفسه.
وقد يتحيّن ذكور الفيلة الفرصة للتزاوج.
وترضع صغار الفيلة حتى سن السنتين أو الثلاث وتبقى قريبة من والدتها لسنوات طويلة.
تتمتع الفيلة بالسباحة مثل الإنسان، وبينما تؤمن حفر المياه الوحلية داخل المنطقة مياها قليلة للشرب، يسمح نهر "تشوبي" المتدفق للفيلة بالتمتع بمياهه الباردة حتى تبتل بالكامل. بالنسبة إلى بعض الفيلة، قد تكون هذه أول مرة تسبح فيها. لذا، تتمسك بذنب الفيلة الأم وهي في النهر.
في أغلب الأوقات تبقى الفيلة ضمن عائلات صغيرة منفصلة، لكن في مثل هذه الأوقات، تجتمع العائلات معا وتتشاطر الموقع نفسه والمياه ذاتها.
تتألف مجموعات الفيلة من أم رئيسة وفيلة بالغة من العائلة نفسها بالإضافة إلى عدد من الفيلة الصغيرة.
وتنضم ذكور الفيلة البالغة إلى المجموعة عندما تكون إحدى الإناث في دورتها النزوية. ويغادر ذكور الفيلة عائلاتهم عند سن الثانية عشرة. بعد السباحة والشرب، يغادر القطيع النهر بحثا عن الطعام، وهو نشاط يدوم أربع عشرة ساعة من كل يوم.
بعد هطول الأمطار، يحين وقت إنشاء عائلة، وهنا يجمع طائرا أبو مطرقة الأخشاب والأغصان لبناء عش كبير يتسع لصغارهما. تبني الطيور أعشاشها بعناية تدوم لسنوات عديدة. وتشكّل علامة فارقة بسبب حجمها الكبير. ويشارك الأبوان في بناء العش كما يتشاطران حضانة البيض وإطعام الفراخ.
وهنا على طول النهر، غادرت ثلاث عقابات نسارية عشها لتختبر أجنحتها لأنها سوف تحتاج إلى تعلم الانقضاض بسرعة واصطياد السمك على ضفة النهر.
وعلى غير عادة، خرجت حيوانات فرس النهر لتستفيد من الأعشاب التي نمت بعد هطول الأمطار. وتفرز غدد فرس النهر الجلدية سائلا قرنفلي اللون لحماية جلدها الحساس الذي يتأثر بسهولة بسبب أشعة الشمس. كان المستكشفون الأوائل يظنون أن فرس النهر يعرق دما. وخلال الأيام الحارة، يغفو فرس النهر في أرضه وهي مساحة محددة من المياه على طول النهر. لكن فرس النهر يبحث عن الطعام خلال النهار إن كان الطقس معتدل البرودة. يدافع ذكر فرس النهر المسيطر عن أرض مجموعته، وقد يتقاتل مع فرس النهر المتطفل على المجموعة أو حتى يقتله، أو قد يجرحه فرس النهر المتطفل أو يقتله وبذلك يسيطرهو على أرضه. لكن القتال نادر جدا وتعد حياة فرس النهر بطيئة وهادئة. وفي حال وجود تهديد، تتحرك هذه الحيوانات الضخمة بسرعة مفاجئة وقد تستعمل أسنانها العملاقة بشكل فتاك.
يمكن أن تبقى حيوانات فرس النهر تحت المياه خمس دقائق تقريباً بينما تتحرك سباحة أو مشيا في أعماق النهر.
عند المساء، يتحدى ذكر شاب الذكر المسيطر ليحتل مكانه.
ويفرز الذكر المسيطر الذي يحمل ندوبا كثيرة نتيجة العراك، يفرز روثه ليحدد أرضه فيترك رائحته في المنطقة بأكملها ليبرهن على أنها ملكه. قد تدوم المعركة لساعات أو دقائق، تحت المياه أو فوقها.
يبدو أن الذكر الشاب يشعر بالإنهاك في المياه. فقد جرحه الذكر المسيطر وها هو يعترف بهزيمته. بالنسبة إلى عائلة فرس النهر، انتهى التهديد حتى يسبح ذكر آخر ليتحدى الذكر المسيطر.
توفي فرس النهر الشاب في الصباح متأثرا بجراحه. ولم تضيّع التماسيح الوقت في إيجاد جثته والتمتع بهذه الوجبة غير المتوقعة. أما فرس النهر الذي نجا، فقد حافظ على عائلته وحياته.
تعتبر مجموعة حيوانات النمس المخطط إحدى المجموعات الأساسية التي جعلت من ضفاف النهر منزلا لها. فبسبب عددها الكبير وأسلوبها الفريد في التواصل عبر الخرخرة. تشكل هذه المجموعة جيشا هائلا ينهب الطعام الموجود على طول الضفة بينما تراقب السماء ومحيطها بحثا عن أي تهديد. لكن اليوم، سوف تواجه المجموعة أحد أسوأ التهديدات حتى الآن، فمجموعة من أسود "نغوما" التي تتألف من أسود شابة، ترتاح قرب مكان تواجد حيوانات النمس. لو كانت الأسود تتحرك، لربما حظيت مجموعة النموس بفرصة للهرب. لكن الأسود مستلقية للراحة ولا يمكن للنموس رؤيتها بسهولة. فوقعت في الفخ بسهولة – وبدأت لعبة القط والفأر بين المجموعتين.
لا يعلم هذا الأسد الشاب ما عليه فعله بهذه الفريسة الغريبة.
وبشكل لا يصدق مع الكسر في ساقه اليمنى، يهاجم النمس الأسد الذي يتقهقر إلى الوراء... شيء عجيب حقا.
ويتمتع النمس ببعض النشاط رغم جراحه ما سمح له بالاختباء في حفرة.
لكن هذه اللبوءة لا تريد الاستسلام وتحاول البحث عن ضحيتها داخل الحفرة.
هربت النموس الأخرى نحو الأشجار ويبدو أن الأسود لا تود اللحاق بها اليوم ربما لوجود مجموعة كبيرة منها . الآن حانت فرصة نجاة النمس المصاب حتى لو على ثلاثة أرجل فقط.
مع انتهاء موسم الأمطار، يبدأ العشب بالجفاف ويخسر مواده المغذية. وقريبا ستحتاج الفيلة إلى الابتعاد عن النهر بحثا عن الطعام. تحتاج الفيلة البالغة يوميا مئة وخمسين كيلوغراما تقريباً من العشب والأوراق لتشبع.
ثم تصبح الأعشاب أقصر ويندر وجودها مع الوقت ما يضطر الفيلة إلى التحرك بعيدا عن المياه إلى داخل الأرض العشبية الجافة في شمال "كالاهاري" حيث تجد العشب لتأكل.
بدأ سهل نهر "تشوبي" يجف، وحيث كان هناك مياه متدفقة أصبح هناك حفر من المياه الموحلة. وتأتي الزرافات لتشرب من هنا بأمان بما أنه ليس هناك مخبأ للحيوانات المفترسة التي تهددها سبحان من علمها ذلك. لا يعد نقل غالونات المياه عبر عنقها العملاق مهمة سهلة، ويمنع نظام الصمامات عند الزرافة تدفق المياه نزولا.
وتجتمع طيور البجع قبل أن تهاجر إلى مواقع أخرى غنية بالمياه.
بالنسبة إلى الفيلة، هناك الآن غبار أكثر من العشب وبالتالي لا يمكنها تأخير رحلتها إلى داخل المنطقة أكثر من ذلك. تبدو الفيلة بينما يحيط بها الغبار وكأنها تحدد الوقت وتتصارع مع الشكوك التي استبدت بها. سوف تنفصل مجموعات الفيلة الكبيرة وتتفرق في مجموعات عائلية صغيرة لتبدأ رحلتها المضنية نحو المنطقة الخلفية الجافة.
وتعلم الجواميس أيضا أنه حان أوان البحث عن العشب في المنطقة الداخلية والابتعاد عن المياه مدة معينة.
كان نهر "تشوبي" متدفقا يحيط به العشب الأخضر الغني وها هو الآن يذكرنا بأنه يجري في قلب منطقة "كالاهاري" الرملية الحارة وأن دوراته تختلف مع اختلاف المواسم التي تتتابع بإذن الله تعالى على المنطقة .
بدأت الفيلة تتحرك أخيرا بعد حمام أخير. وبينما يغطيها الغبار، تتوجه نحو خط الأشجار بحثا عن العشب. لكنها ستعود لأنها بعد أن تُشبع جوعها عليها أن تروي ظمأها، فتقوم برحلتها اليومية لتلبي حاجتها. بعض هذه المجموعات ستتناسى حاجتها اليومية للمياه وستعود إلى النهر كل يومين أو ثلاثة أيام لتشرب.
لكن بالنسبة إلى مجموعة أسود "نغوما"، يعد النهر منزلها. لذا ستبقى هنا للصيد وبذلك يمكنها أن تنتظر مرتاحة قرب الماء. وعند حلول المساء، تستيقظ الأسود على مهل، لكنها ليست متعجلة للصيد بما أنها ما زالت تشعر بالتخمة من صيد البارحة. لا تعد ضفتا النهر موقعا مثاليا للصيد خلال النهار لكن ذلك سيتغير مع حلول الظلام.
اكتشفت إحدى اللبوءات وجود خنزيرين وحشيين بعيدا عن الضفة وبدأت تتحيّن الفرصة لاصطيادهما.
رغم قلة خبرة اللبوءة، لم يتنبه الخنزيران لاقترابها منهما ما شجعها على الاستمرار.
تستعمل اللبوءة ما يحيط بها للاختباء بينما تقترب من فريستها.
لكن الخنزيرين بدآ بالاقتراب منها على نحو مفاجىء.
سارعت اللبوءة بالتحرك ما أعطى الوقت لفريستيها للهرب.
كانت محاولة جيدة. لكن في المرة القادمة ستتعلم اللبوءة الانتظار لوقت أطول قبل الهجوم.
يعد بحث الفيلة عن الطعام أمرا مهما. وقد يكون هناك الكثير من أوراق الأشجار الخضراء لكنها ليست لذيذة المذاق. يحوي نظام الفيلة الغذائي ثمانين في المئة من الأعشاب. ويمكن إيجاد البروتين الغني في أوراق الموبان الجافة لكنها أصبحت نادرة الوجود بينما كانت تكثر في هذه الأنحاء.
في هذه الفترة، تقضي حرائق الشتاء على أحراج صحراء "كالاهاري".
بعد أن أكلت الفيلة الشابة أوراق الموبان، لم تشعر بتعب الرحلة الطويلة التي تعبرها من داخل المنطقة لتتوجه إلى مياه النهر.
عادة تختار حيوانات السمور والظبي الأفريقي غذاءها بعناية، لكنها الآن لا تملك الخيار.
بدأت المسافات التي تقطعها الفيلة يوميا تؤثر على صغارها. وهذا الفيل الصغير يرتاح إلى جانب الطريق قبل أن تشجعه والدته على الاستمرار. وتبطىء الفيلة البالغة لتسمح لصغارها باللحاق بها.
لكن عند اقتراب المياه، تسرع الفيلة نحو النهر.
لن تمض الفيلة وقتا طويلا في شرب المياه، قد تشرب الفيلة البالغة مئة ليتر أو أكثر لكنها ستضطر إلى المغادرة سريعا.
بعض الفيلة صغيرة جدا ويصعب عليها القيام بهذه الرحلة الطويلة. لذا، تبقى أمها معها وتحاول إيجاد الطعام لها ولصغيرها. هذا الفيل الصغير وُلد منذ أيام قليلة ولم يتعلم بعد كيفية استعمال خرطومه لشرب المياه.
بقية الفيلة تتحرك مدفوعة بالجوع حينا وبالعطش حينا آخر.
الفيلة الأم مضطرة للسهر على رضيعها ليل نهار دون حماية مجموعتها. ليس ذلك بالأمر السهل فهي لا يمكنها أن تبتعد كثيرا ولا يمكنها الرؤية بوضوح في الظلام. بما أن رؤية الفيلة شبيهة إلى حد كبير برؤية البشر، قد يقترب حيوان مفترس منها دون أن تراه فيبعدها عن طفلها في الظلمة. مع وجود مجموعتها قربها وبسبب إبقائها صغار الفيلة في الوسط، كانت الأمور ستكون أسهل بالنسبة إليها هذا ما جرت العادة به. لكن الفيلة البالغة تعد عدوا لا يستهان به أبدا خصوصا بوجود فيل صغير يحتاج إلى الحماية.
بعد الظهر، يبدأ انتظار الأسود حتى يحل الظلام. حينها يمكنها الاقتراب من الحمار الوحشي المخطط دون أن يراها. فالرائحة أو الصوت وحدهما قد يدلان على اقترابها من فريستها.
ومن جديد، تختبىء اللبوءة وراء تل رملي صغير ظنا منها أنه سيخفي وجودها رغم الضوء. لكن الحمار الوحشي حيوان متقلب واتجاه الرياح تغير لصالحه. تحول اتجاه الرياح وولى الحمار الوحشي هربا بعد أن شم رائحة اللبوءة.
لا تخشى الزرافات الكثير بسبب عنقها الطويل الذي يسمح لها برؤية واضحة. إنها تقترب من النهر لكن المياه ليست هدفها. لقد جذب نظرها شيء موجود على الأرض. الزرافات تأكل الغبار بكل ما للكلمة من معنى.
مع انحسار مياه النهر، تؤدي أشعة الشمس إلى ترشيح المعادن والأملاح فوق الطين. والزرافات تبحث عن هذه المواد المغذية التي تنقص في نظامها الغذائي. ويبدو أن الغبار الموجود فوق الطين غني بالأملاح والكالسيوم والكلس. وكما هو معروف، قد تمضغ الزرافات العظام الجافة في الأحراج لتلبية حاجتها من الكالسيوم سبحان الله الخالق العظيم الذي ألهم هذه الحيوانات العجماوات كيف تدبر أمرها .
قريبا سوف يخفي الظلام وجود الأسود عند النهر ما سيدفع الزرافات إلى إيجاد ملاذ تختبىء فيه، لكنها الآن تستمتع بوليمة الغبار الغنية.
تفضّل الزرافات الصباح الباكر والمساء للبحث عن الطعام لأن الطقس يكون أبرد عادة في هذه الأوقات.
وتعيش الزرافات في مجموعات غير محددة من الإناث والذكور، ورغم مظهرها المخادع، يمكنها أن تهرب من الحيوانات المفترسة بسرعة ستين كيلومترا في الساعة.
تفتش الزرافات عن الغذاء على الأشجار بما أن الغبار لا يكفيها لتشبع. وعلى الأرجح يبدو أن هذه المجموعة شبعت من أوراق الأشجار التي لا تصل إليها الحيوانات التي تقتات الأعشاب.
عند غروب الشمس، تتوجه الزرافات نحو الشجار وتترك زرافة واحدة لتحرس المنطقة.
خلال ساعات النهار الحارة في الشتاء الأفريقي، وبعيدا عن المياه بدأ الحر والغبار يؤثر على الفيلة. إن الفيلة الصغيرة تشعر بالتعب الشديد وتحاول أن ترتاح. لكن التوقف المستمر سيبطىء وصول الفيلة الأخرى إلى النهر. ويسد صغار الفيلة حاجتهم من العشب بينما الأصغر سنا ترضع حليب أمهاتها. خلال رحلة يومية عادية، قد تقطع هذه الفيلة خمسين كيلومترا أو أكثر ويمكنها أن تبحث عن الطعام خلال الرحلة الطويلة.
قد تصل بعض الفيلة إلى حفر المياه الموجودة في تجويف الأرض الخلفية. وقد تجد الفيلة التي تبتعد أكثر من غيرها عشبا كافيا على طول الطرقات الأقل استعمالا.
يسيطر ذكور الفيلة على حفر المياه بينما تمر المجموعات الكبيرة عليها مرور الكرام. على عكس ضفتي نهر "تشوبي" حيث تتوفر المياه بكثرة. تكون حفر المياه صغيرة وعلى الفيلة أن تنتظر دورها وفقا لمركزها.
تبتعد النموس إلى داخل المنطقة بحثا عن الطعام الذي أصبح وجوده نادرا مع مرور الوقت. وتستعمل الحيوانات طاقة أكبر في كل مرة لتجد طعاما أقل. وتقطع مسافات أطول فتتعب ما يضعف قدرتها على التنبه وترتكب خطأ مميتا، فينقض عليها نسر بسرعة مخيفة.
لقد وجد النسر غذاءه. في هذا الوقت ينتظره نسران أسمران حتى ينتهي لينقضّا على بقايا الطعام. يعد النسر الضخم من أكبر نسور المنطقة ويصل طول جناحيه إلى المترين تقريباً.
أما النسور السمراء اللون فهي أصغر لكن يكثر وجودها هنا.
عرف النسر الضخم بالانقضاض على فريسة بحجم الظبي، رغم أنه اضطر اليوم للاكتفاء بنمس مخطط.
ترتاح الفيلة الصغيرة حيثما يمكنها ذلك إلى جانب بعض الفيلة البالغة. فهي متعبة إلى حد كبير ولم تبحث حتى عن مكان تتظلل فيه بل استلقت أينما كان. لكن حاجتها إلى المياه والطعام تجبرها على التقدم.
كانت حالة ذكر الفيل الصغير وأمه جيدة خلال الأيام الماضية بعد أن قررا البقاء قرب المياه. حتى الآن، تمكنا من الاستمرار هنا دون رفاقهم. وقد وجدت الأم بصعوبة شديدة غذاء كافيا لتقتات منه.
لكن الحيوانات المفترسة موجودة حولهما باستمرار. وغالبا ما يكون قطيع الجواميس الذي يأتي للشرب ليلا هدفا للأسود والكواسر.
الحيوانات الكاسرة الملونة الرأس تكون قريبة عادة من الحيوانات المفترسة لأنها تقتات من البقايا التي تتركها الأسود والكلاب الوحشية. لكنها اليوم تنتظر بفارغ الصبر نهوض الأسود لتؤمّن لها بعض الطعام. لقد اكتفت الأسود من غذاء الليلة الماضية، لذا ليست مستعدة للمغامرة في حر النهار من جديد.
هذه اللبوءة التي تحمل طوقا على عنقها انفصلت عن مجموعتها خلال الليل وتتمنى على الأرجح أن تقترب من أشبالها من جديد بعد أن تركتها مع أنثى مرضعة بينما ذهبت للصيد. سوف تزأر هكذا بانتظام وتستمع إلى نداء العودة وتتحرك باستمرار حتى تعود إلى عائلتها. تحمل عدة أسود أطواقا لأنها تخضع لبرنامج دراسة.
يوجد حول المحمية الوطنية عدة مناطق صيد، ويعم القلق بسبب انتشار اصطياد ذكور الأسود. إذا اختفى عدد كبير من ذكور الأسود من النظام البيئي، قد تعاني مجموعات الأسود من خلل جيني. وسوف تهدد مجموعات الضباع الكبيرة وجود الأسود في المنطقة. فبسبب عددها الكبير، يمكن للضباع أن تسرق فريسة الأسود التي تنقصها حماية ذكورها. وقد تهاجم الضباع اللبوءات وتقتلها مع أشبالها.
لقد سمعت اللبوءة صوتا وبدأت بالتحرك. قد تحتاج إلى يوم كامل أو أكثر لإيجاد عائلتها لأن أرض مجموعتها واسعة جدا.
سمعت لبوءة أخرى نداءها وبدأت بالتحرك بحثا عنها.
قد تنفصل الأسود عن مجموعاتها لأيام أو حتى أسابيع وقد تنقسم إلى مجموعات صغيرة خلال هذه المدة.
سوف تساعد الأطواق العلماء على اكتشاف أماكن تواجدها وتركيب مجموعاتها.
لا ينقاد ذكور الأسود وراء غريزتهم الأبوية. فبعد ولادة الأشبال، قد يبتعدون عنهم ليعيشوا وحدهم بضعة أسابيع.
لكن هذه اللبوءة قلقة على أشبالها. سوف تقوم لبوءات مرضعة أخرى بإطعام الأشبال كما لو أنها أشبالها ولا تفرق بينها سبحان الله العظيم الذي أودع الرحمة في قلب هذه الوحوش المفترسة .
بعد أن تعبت اللبوءة من الصيد وبدأت البحث عن مجموعتها، تشرب المياه وترتاح حتى يبرد الطقس.
ثم تعود للتحرك بعد غروب الشمس وتجد أخيرا اللبوءات المرضعة والأشبال.
تتألف مجموعة الأسود من لبوءات من العائلة نفسها ومن أشبالها.
الشبل الأول الذي يرحب بعودة اللبوءة ليس شبلها بل هو شبل اللبوءة المرضعة. بينما تبقى اللبوءة في مكان مكشوف بكل ثقة عند حلول الظلام، تبحث الفيلة الأم وصغيرها عن ملاذ آمن في الأحراج حيث سيقضيان الليل. تحاول اللبوءة أن تثني أشبالها عن الرضاعة بعد سن الثلاثة أشهر وتفطمها عندما يبلغ عمرها ستة أشهر. لكن الأشبال ستتذوق طعم اللحم لأول مرة بدءا من شهرها الثالث.
تبقى الأشبال مع أمهاتها سنتين تقريباً وتبدأ بالصيد عند نهاية هذه المدة. وتبقى اللبوءات مع مجموعاتها بينما يغادر الذكور بحثا عن مجموعة أخرى ليسيطروا عليها.
إن لم تغادر الأشبال الذكور المجموعة عند سن الثانية أو الثالثة، سوف تدفعها الذكور البالغة إلى ذلك.
يهدد الذكور الجدد الأشبال الصغار وغالبا ما تقتل أشبال الذكور الأخرى.
تستمر الفيلة بالشرب طيلة الليل في المنطقة الداخلية. لكن الحفر الصغيرة ليست غنية بالمياه كالنهر بينما قد تصل الفيلة العطشى من المناطق المختلفة في أي وقت.
تظل الفيلة تأتي وتغادر ضمن مجموعات من ذكور الفيلة ومجموعات مختلطة حتى اقتراب الصباح.
يعد المركز مهما حتى في هذه الحال خصوصا بالنسبة إلى مجموعة الذكور التي تسكن منطقة Savuti.
ويدل وجود الكواسر فوق أغصان الأشجار على أن الحيوانات المفترسة ما زالت موجودة تحت بعد أن قتلت طريدتها خلال الليل. لكن بعد أن تشبع الأسود، سوف تنقض الكواسر على بقايا الطعام بسرعة.
قامت ذكور الأسود التي اقتربت من سن البلوغ بقتل فيل صغير خلال الليل بمساعدة لبوءة بالغة. وفقا لحجم الأنياب الصغيرة، كان الفيل في سن المراهقة وربما انفصل عن مجموعته. مع توفر هذه الكمية من الطعام، تعلم الكواسر أنها لن تنتظر طويلا قبل الحصول على حصتها. هذه الذكور الشابة مستعدة لمغادرة مجموعتها وقد ينشؤون معا – كأشقاء- حلفا واحدا ويحاولون السيطرة على مجموعة أخرى.
برعت الأسود الموجودة على ضفتي نهر "تشوبي" في اصطياد الفيلة الشابة بسبب أعدادها الكبيرة. تعد الفيلة فريسة غير اعتيادية لأغلب أسود "أفريقيا"، وفقط في المناطق التي تكثر فيها أعداد الفيلة يكثر صيدها.
بعد أن تشبع الأسود من وليمتها، تترك ما تبقى منها للكواسر. جذبت جثة الفيل الكواسر التي تتميز بلون ظهرها الأبيض والكواسر التي تتميز بوجهه المسطح والكواسر الملونة الرأس من منطقة "تشوبي" بأكملها.
قرر هذا الأسد الشاب أنه يود الاحتفاظ بجزء من الوليمة لنفسه فجرها إلى الظل ليتسلى بها لاحقا.
يبدو أن ساعة الازدحام حول حفرة المياه في المنطقة الداخلية قد انتهت، وأصبح بإمكان اثنين من ابن آوى أن يتمتعا بالمياه وحدهما إلى جانب الفيل المتبقي. لكن ها قد وصل متطفل آخر. في البداية لم ينزعجا من وجود رفيق ثالث واستمرا بالبحث عن الغذاء والروث المغذي في كومة روث الفيلة قرب حفرة المياه.
لكن حفرة المياه ملكهما وحدهما، لذا بدآ بامتحان الوافد الجديد الذي يعتمد فورا وضعية خاضعة.
قد يكون الوافد الجديد أحد أبنائهما الذي فضل البقاء على أرضهما. وبالتالي قد يلتقي الثلاثة من وقت لآخر وخصوصا قرب حفرة المياه. وهذا يفسر أيضا تصرف ابن آوى الخاضع.
عادة يتزاوج ابن آوى لمدى الحياة وقد يبقى أحد أولادهما أو اثنين منهما مع أبويهما، فيشكلون مجموعة عائلية.
عادة، تبعد الإناث الإناث الأخرى، ويتصرف الذكور بعدائية تجاه الذكور الأخرى التي تتطفل على مجموعتها.
يحارب ابن آوى دفاعاً عن نفسه بضراوة. اليوم تبحث هذه العائلة عن طعامها لكنها عادة تصطاد الغذاء. فهي حيوانات تقتات الحيوانات والنباتات معا، فتأكل الحشرات والفاكهة والزواحف والقوارض وحتى الثديات الأكبر منها حجما.
مع اشتداد الحر، تشعر الحيوانات قرب حفر المياه بالإحباط. فرغم تشكل الغيوم يوميا، لم تهطل الأمطار حتى الآن.
تبعد الأمهات صغارها عن الذكور المضطربة وتتحين الفرصة لتروي ظمأها دون افتعال المشاكل.
تمكن العديد من صغار الفيلة من النجاة بفضل الله تعالى رغم الجفاف. وبرحمة الله تعالى بهذه المخلوقات ، ثم بسبب الأمطار التي هطلت السنة الماضية، نما العشب بكميات كبيرة وتوجهت الفيلة نحو المياه بحماس كبير. وبينما تشق الفيلة الضخمة طريقها نحو المياه، تحاول إناث الفيلة حماية صغارها وتبقيها قربها أو بين أرجلها. بسبب الحر الشديد، قد يقع صغار الفيلة بينما تركض الفيلة العطشى نحو المياه. يبدو أن هذا الفيل الصغير يحاول أن يكتشف إن كانت قدم أمه مبتلة أم لا. بينما تتوجه الحيوانات نحو المياه، تتجمع الغيوم فوق منطقة "تشوبي".
بالنسبة إلى السلحفاة، قد يجلب الجفاف معه عدوها اللدود أي النار التي تتحرك بسرعة أكبر من هذه الحيوانات البطيئة.
لكن المطر هطل بفضل الله سبحانه أولا وبغزارة فوق منطقة "كالاهاري" فأبعد شبح الحر والجفاف عن الموسم الجديد وبرد الرمال المحرقة.
وهكذا تزدهر الحياة بقدرة الله الخالق في منطقة "تشوبي" خلال الموسم الجديد.
وفي المنطقة الداخلية، تقضي المياه على الجفاف برحمة الله تعالى وفضله على مخلوقاته فينمو معها العشب الأخضر الذي كانت بذوره تنتظر هطول المطر بين حبيبات الرمل.
تروي الأسود ظمأها من البرك الصغيرة بينما تختبىء السلحفاة في قوقعتها لتحمي نفسها.
لحسن الحظ، شبعت الأسود من وليمتها الأخيرة ولم تختبر دفاعات السلحفاة بدقة.
يبعد نهر "تشوبي" مئة متر تقريبا لكن مياه المطر التي هطلت بعد طول انتظار لها مذاقها الخاص.
لا يجب أن تفقد السلحفاة السيطرة على نفسها وإلا قد تخسر حياتها.
بعد أن أكلت الأسود وشبعت، تتوجه إلى الأحراج حيث تراقب ضفتي النهر.
قد تكون تحتفل بالوفرة الجديدة التي جعل الله تعالى المطر سبباً في جلبها أو بالوفرة التي لطالما وجدت بفضل الله تعالى في نهر "تشوبي" وتمتعت بها جيلا بعد جيل.
ستشكل الذكور الأربعة حلفا قويا ربما لن تقدر الأسود الأخرى على مهاجمتها ويبدو أن مستقبلها سيكون واعدا بإذن الله .
بدأت عائلات الفيلة تعود إلى النهر، ومع وجود مياه الأمطار في برك صغيرة في شمالي "كالاهاري"، أصبح بإمكان مجموعات الفيلة والجواميس أن تختار مكانا تأكل فيه وتشرب.
وتتزاحم مئات الفيلة لتستمتع بثروة نهر "تشوبي" المتدفقة بفضل الله تعالى. وهنا على طول ضفتي النهر، ينعكس تنوع الحياة البرية التي أبدعها الله عزوجل وحباها روعة مبهرة شهدها الكثيرون في محمية "تشوبي" الوطنية في "بوتسوانا".
إنه نهر "كالاهاري" وصحراءها الرملية الغنية الخلابة، التي منحها الله تعالى للإنسان فهل يحافظ عليها ؟ يمكنه ذلك إن حرص على حماية هذه البيئة واهتم بها.