جورج بيري:
إن الوقوف في سبيل وحيد قرن يستشيط غضبًا ومسلح بقرن مسنن لمزاج عكر ليس بالأمر المستحب، لكنني أتعرض لهذا الموقف كل يوم تقريباً.
اسمي جورج بيري قضيت حياتي كلها في مراقبة هذه المخلوقات الرائعة لحمايتها من الأخطار، وهذه قصتي.
قيل لي: إن هذه هي بعض أقدم صخور العالم، كما أنني لم أعد في سن الشباب إذ بلغت من العمر ثلاثًا وستين سنة، ولكن كلما سنحت لي الفرصة أتسلق هذه الصخور، لتمتلئ عيناي بروعة هذا المكان، أعيش هنا في متنزه بيلانس بيرج الوطني في دولة جنوب إفريقيا، وهنا أعتني بهذه الحيوانات التي أصبحت مع الزمن عائلتي الثانية إنها مخلوقات وحيد القرن في بيلا نسبرج.
كثيرون منا في إفريقيا يحبون هذه الحيوانات ويسعون لحمايتها، وهذه وظيفتي في المتنزه، مراقبة مجموعة وحيد القرن والحرص على سلامة عيشها، متنزه بيلا نسبرج شاسع، إنه أشبه بعالم خفي وتحيط به جدران بركان قديم ومنهار، وداخل حلقة الصخور المحيطة هذه تعيش جماعات وحيد القرن مع بعض من أروع مخلوقات إفريقيا.
متنزه بيلا نسبرج على الرغم من مساحته الواسعة محاط بسياج طويل جداً عندما جئت إليه للمرة الأولى في شبابي كنت أجوب حول السياج على دراجتي الهوائية، أما قصة مجيئي إلى هنا فقد بدأت منذ زمن بعيد في وطني ملاوي عندما كنت فتى صغيراً.
ملاوي دولة صغيرة وخلابة وتقع في قلب القارة الإفريقية، لم أزرها منذ فترة طويلة ولكن الذكريات التي أحملها منها لا تزال حية وتبعث في شعورًا بالسعادة، عندما كنت صغيرا كنت ألعب ورفاقي ساعات وساعات في الملعب الترابي المحيط بمدرستنا، كنا نتلقى الدروس في ظل شجرة أقاقيا كبيرة ووارفة، لكنني كنت أجد صعوبة في التركيز على الدروس فلطالما كنت حالمًا بطبعي، كنت أتخيل دومًا أشكال الحيوانات في صغري وكان جدي هو الذي زرع محبة الحيوانات في قلبي، وكنت أحلم به في ساعات الدراسة، كان يأتي كل يوم بعد انتهاء دوام الدراسة ليرافقني إلى قريتنا، وخلال المشوار يروي لي قصص الحيوانات القوية التي رآها في شبابه، الأسد ملك الغابة، المتربص بين الأعشاب الطويلة، عائلة الفيلة المتنقلة عبر السهول، الضبع الماكر الذي يتميز بسمعه القوي، زرعت قصصه في قلبي حبًا كبيرًا للحيوانات، كان غالبًا ما يخبرني عن مخلوقات وحيد القرن التي شاهدها في أيام الصبا كان يقول لي: جورج يا صغيري إنها مخلوقات لم ترَ عيناك لها مثيلاً، جلدها أشبه بالحديد وتحمل رماحًا على خطمها، ولكنها باتت قليلة اليوم، كنت أسير وسط الشجيرات وأدعي أنني أبحث عن آخر وحيد قرن في ملاوي، وأحلم بأنني أرى ما رآه، وهذا سبب وجودي هنا، في هذا المكان لأن قصص جدي تسري في عروقي وحبه لوحيد القرن متأصل في.
وهكذا أصبحت اليوم رقيب كل جماعات وحيد القرن السوداء الموجودة في متنزه بيلا نسبرج، يعد وحيد القرن الأسود اليوم أحد أكثر الحيوانات في العالم عرضة للانقراض، فطيلة سنوات خلت استخدم أناس صيادين لقتل هذه الحيوانات والحصول على قرونها، فهم يعتقدون أن قرن وحيد القرن يحتوي على قدرة علاجية كبيرة، ولكن الحقيقة هي أن قرنه مكون من مادة قرنية، وأنه لا يتمتع بأي قدرة علاجية، ولا تتجلى فائدته إلا عندما يحمله وحيد القرن الحي؛ حيث يكون سلاحه الذي يدافع به عن نفسه، ولكن أصبح هذا السلاح نقطة ضعفه، يا ليتهم يروا وحيد القرن في الغابة فلم يكونوا ليرغبوا في قتله ولكن جماعة وحيد القرن عندنا تعيش بمأمن من بنادق الصيادين لأننا نولي حمايتها أهمية كبرى.
أعتقد أن جدي كان يفخر بي وأتمنى لو أنه يستطيع مشاهدة هذا المكان، أصبحت أنا بدوري اليوم جدًا، وخلال نمو الأطفال في عائلتي أخبرهم القصص والروايات التي أخبرني إياها جدي والليلة أريد أن أقصَّ عليهم قصة مميزة.
سأطلع أحفادي وزوجتي جولز على هذا الخبر، ولكن أولاً سأخبرهم عن شمبري وحيد القرن الأحب إلى قلبي،
يعيش أكثر من خمسين وحيد قرن أسود في متنزه بيلا نسبرج ولكن لطالما كان جنبني مميزا في نظري، منذ رأته عيناي للمرة الأولى يعدو خلف أمه منذ ستة فصول شتاء كان صغيرا جداً، يعرف الأولاد جامبني من الروايات التي أقصها عليهم كقصة مطاردته لي فوق الأشجار.
بلغني اليوم أن جامباني سيتم الإمساك به ونقله خلال يومين لإنشاء مجموعة جديدة من حيوانات وحيد القرن في دولة إفريقية أخرى.
ساعة الشروق هي الساعة الأحب إلى قلبي في البرية، تقع في وسط متنزه بيلا نسبرج بحيرة ومكان يدعى مانكوي، غالبًا ما ألتقي هناك بكشافين آخرين نناقش معا برامج العمل اليومية، إنهما صديقاي سوني بوين فولوي وجون ماتلومولا مولوتي، يساعداني دائمًا عندما أحاول العثور على وحيد قرن معين، توجد فصيلتان من وحيد القرن الإفريقي وكلتاهما تعيش في برانس بيرج.
هناك وحيد القرن الأسود الذي يعيش في الوديان المهرية الكثيفة الأشجار ووحيد القرن الأبيض الذي يعيش في السهول الواسعة، إلا أن هذين الاسمين يسببان بعض الإرباك لأن كلتا الفصيلتين لونهما رمادي، وحيد القرن الأبيض أكبر حجمًا من قريبه الأسود وقد اكتسب اسمه من شكل فمه، فقد أطلق عليه المستعمرون الهولنديون الأوائل اسم وحيد القرن العريض، وايد رايد نو بسبب عرض شفته، ويستعمل الحيوان شفته العريضة لرعي العشب وهو غذاؤه الوحيد، لهذا السبب نجد وحيد القرن الأبيض في السهول الواسعة التي يكثر فيها العشب، ووحيد القرن الأبيض ليس عدائيًا كقريبه الأسود، ونادرًا ما يبادر إلى الهجوم عند الاقتراب منه، أما فم وحيد القرن الأسود فمختلف فشفته العلوية مستقدقة الرأس وتتحرك كاليد ويستعين بها لكسر الأغصان الكبيرة الصغيرة والتقاط أوراق الشجيرات، والشجيرات التي يحب تناولها تنمو في الأجمات الكثيفة.
هنا يعيش وحيد القرن الأسود وبما أنه أكثر شراسة من وحيد القرن الأبيض فقد يكون الاقتراب منه خطرًا جدًا.
يمكن أن نجد أحيانًا بعض حيوانات وحيد القرن الأسود في المساحات المكشوفة، ويحصل ذلك عادة بعد نشوب حريق بعد أن تنمو في الشجيرات والأعشاب براعم جديدة يانعة، أما في موسم الأمطار الحار فتخرج من الأجمات لترتوي وتتمرغ في برك الوحل.
يساعدها الوحل على تبريد جسمها، ويلتصق بجلدها عندما يجف، فتعمد بعدئذ إلى إزالته عنها فتزيل معه الحشرات العالقة فيه، وكلتا فصيلتي وحيد القرن تحب التمرغ في الوحل وحته، وحيد القرن الأبيض أيضاً يحب الوحل.
ولكن ثمة اختلاف بين الفصيلتين فيما يتعلق بتربيتهما لصغارهما، فأنثى وحيد القرن الأبيض تبقي صغيرها أمامها عندما تعدو لكي تتمكن من مراقبته في السهول الواسعة، أما أنثى وحيد القرن الأسود فتبقي صغيرها خلفها لكي تتمكن من شق الطريق له عبر الأجمات الكثيفة، وهي تسير على هذا النحو دائمًا حتى في السهول المكشوفة.
علمتني الخبرة تمييز نوعي وحيد القرن من بعضهما، ولكن نوعين يبدوان متقاربين بالنسبة للغرباء، لم تتبقَّ إلا حفنة قليلة من مخلوقات وحيد القرن في العالم وهذا ما يجعل كل حيوان منها مهمًّا وذا قيمة لهذا السبب طورنا نظامًا جيدًا لمساعدتنا على تمييز كل منها وبالأخص من مسافة بعيدة، يحمل كل وحيد قرن في بلانسبيرج مجموعة مختلفة وفريد من العلامات على أذنيه ونحتفظ بسجل عن صور أذني كل وحيد قرن وقرنه، يسمح لنا نظام الشيفرة هذا بمعرفة سلالة كل منها، ولكن المشكلة الكبرى بالطبع تكمن في زرع هذه العلامات في أذني الحيوان.
يجتمع كل سنة جميع الأطباء البيطريين والعلماء من أنحاء متنزهات البلاد من أجل عملية زرع العلامات المميزة، وأتحمس دائمًا للمشاركة في أعمال الفريق، سيتم إطلاق سهام مهدئة على الحيوانات التي ينبغي تعيينها، نبحث عن كل الإناث التي وضعت عجولاً جديدة وكل الحيوانات التي لم تخضع لعملية التعيين ثم يقرر الطبيب مقدار الجرعة التي سينالها كل وحيد قرن بغية إيقاف حركته، يأخذ الطبيب البيطري عينة دم لتفحص صحة وحيد القرن ومن ثم نضع العلامات في أذنيه، نحتفظ بجزء من دبابيس العلامات المميزة من أجل سجلات الحمض النووي ثم ندخل رقاقة حاسوبية في قرن الحيوان ونتفحص حدبته، تساعدنا هذه الرقاقات في التعرف على الحيوان أو على قرنه، نغطي عيني وحيد القرن لنحافظ على هدوئه ولنتجنب إيذاءهما، عندما يبدأ وحيد القرن باستعادة وعيه يكون مشوشًا ويهاجم أي شيء، لذا من الأفضل أن يبتعد الجميع عنه، ولكن يجب على أحدنا أن ينزع الغطاء عن عينيه وغالبًا ما أكون أنا آخر الموجودين قرب الحيوان عندما يستفيق.
نحاول أن نتبع الحيوان بعد استفاقته للتأكد من سلامته، ولكن وحيد القرن الأسود لا يتوانى عن مهاجمة الشاحنة وعندئذ نضطر نحن إلى الهروب منه.
إن الإمساك بوحيد قرن ونقله ليس بالعمل البسيط، غدًا سيأتي فريق من المسؤولين مع معداتهم لأسر جيمباني، علي أن أقتفي أثره لأعرف مكانه، لكي نعرف من أين نبدأ عملية البحث غداً فيجب أن يبدأ رحلته في الصباح الباكر قبل أن تشتد حرارة الشمس، وجامباني كسائر مخلوقات وحيد القرن خجول، يحب الأجمات الكثيفة لأنه يجد فيها غذاءه ومكانًا مناسبًا للاختباء، ولا يمكن الدخول بالسيارة إلى هذا المكان وعلي أن أقتفي أثره سيرًا على قدمي.
هذه الرحلة تولد التوتر والخوف دائماً غالبًا ما يسير وحيد القرن على دروب معينة، وهذه الدروب تحمل أدلة كثيرة لمن يجيد قراءتها، يمكن رؤية آثار القوائم في الرمل فتعرف من حجمها ومن المسافة التي تفصل بينها ما إذا كان الحيوان ذكرًا أم أنثى يحدد وحيد القرن منطقته خلال مسيرته بإلقاء روثه في أكوام كهذه.
يركل الروث بقوائمه حتى تشتم رائحته الحيوانات الأخرى على الدرب، تحتوي أكوام الروث أيضاً على أدلة كثيرة، أعرف أن هذه كومة روث وحيد قرن أسود لأنها تحتوي على أوراق أشجار وغصينات فوحيد القرن الأبيض لا يقتات إلا بالأعشاب.
كما أن الروث لا يزال دافئًا ولم يضع الذباب بيضه فيه بعد، استعمل وحيد قرن هذه الكومة منذ فترة وجيزة، علي أن أتوخى الحيطة والحذر، بصر وحيد القرن ليس حادًا ولكنه يتمتع بحاستي شم وسمع قويتين لذا من المهم للغاية أن أسير باتجاه الريح خلال رحلة البحث أصبحت الأجمة أكثر كثافة وهذه إحدى المناطق التي يفضلها جامبني وقد أعثر عليه في الجوار.
ولكنني أوفق أولاً بالعثور على مجموعة صغيرة من ثلاثة مخلوقات وحيد قرن، وجامبني يتنقل وحيدًا عادة، عندما اقتربت تبين لي أن هذه أنثى نطلق عليها اسم زغباء الأذن وهي تتمتع بأروع قرن بين جميع مخلوقات وحيد القرن التي تعيش هنا ولا تخشى استعماله البتة فطعنة واحدة من قرنها كفيلة بقتل رجل.
يرافقها صغيرها الذي يبلغ ثلاث سنوات من العمر، وانضم إليهما ذكر صغير، تحول اتجاه الريح فتناهت إليها رائحتي لذا علي أن أتوخى الحذر، إنها أنثى خطرة وغالبًا ما يكون مزاجها عكرًا تقترب مني لتحقق في أمري، يجب علي أن أكون متيقظًا دائمًا ومستعدًا للتحرك بسرعة فلا يمكن توقع تحركات وحيد القرن الأسود ولا أعرف ما إذا كان سيقرر الانقضاض عليّ اليوم، أحب التأكد دائمًا من وجود شجرة بقربي، أصبحت بارعًا في تسلق الأشجار على مر السنوات ولحسن حظي قررت زغباء الأذن أنني لست جديرًا بعنائها وتابعت المسير، ومع أنني مسرور جدًا برؤيتها إلا أن علي أن أمضي قدمًا للعثور على جامبني.
خلال السنوات التي قضيتها في اللحاق بجامبني وأمه تعلمت ما هي المواقع التي يفضلها، ثمت جدول قريب يحب أن يرتوي فيه وهناك عثرت على أثره.
عثرت هنا على آثار قدميه، وهي تتجه نحو إحدى المناطق التي يقتات فيها، بعض الأشجار التي يقتات بها وحيد القرن تصلح للاستهلاك البشري أيضاً، تحمل هذه الشجرة توتا بريا ولا أستطيع مقاومة رغبتي في تذوقه بعد رحلتي الطويلة في البرية، تقودني آثاه من الشجرة إلى أجمة أقاقي صغيرة في الجوار حيث عثرت عليه أخيرًا يغط في سبات عميق، الجو حار لذا يحب وحيد القرن أن ينام ويحافظ على برودة جسمه، وهو دائم التنبه واليقظة حتى خلال نومه مع أن لا أعداء طبيعيين له تقريبا نظرا لضخامته وما إن دونت منه حتى سمع وقع خطواتي في العشب، يعرف أنني في جواره فيقترب قليلاً ليراني، حصلت بيننا مواجهات كثيرة سابقة من هذا النوع، ولكن هذا اليوم قد يكون يومنا الأخير معًا في متنزه بيلانسبرج، سألازمه طيلة اليوم لنعرف غدًا أين نبدأ البحث عنه مجدداً.
سأتبعه عندما يعود إلى الأجمة الكثيفة ليرتاح مجددًا وعندما يغط في النوم سأنام إلى جانبه، ستربطنا هذه الرحلة إلى وطني الأول برباط الوحدة، وتبدأ رحلتنا غداً، سأشتاق إلى فتايا المدلل هذا، أما في ملاوي فينتظر الجميع أخبار عملية القبض على جامبني ويتم اتخاذ التدابير اللازمة لاستقباله سيكون شروق يوم غد آخر شروق يشهده جامبني في مسقط رأسه، ثمة ثقل في قلبي ولكن يخالطه شعور بالسعادة، سنبدأ معًا مغامرة حياتنا.
القبض على وحيد القرن عمل صعب اجتمعت مجموعة كبيرة من الناس هنا ووصلت الطوافة للعثور على جمبني وإصابته بالسهم المهدئ، إنه صباح بارد ولكن معنويات الجميع مرتفعة الجميع متحمسون وسعداء ولكن الجو لا يخلو من بعض التوتر، وحدت طواقم العمل في متنزه كروجر الوطني في جنوب إفريقية ومتنزهات نورفروست جهودها اليوم، ماركوس هوف ماير طبيب بيطري من متنزه كروجر، سيتولى مهمة تهدئة تجامبني والاعتناء به خلال الرحلة، أطلع مع ماركوس على العلامات التي تميز تجامبني ليتمكن من التعرف عليه من الجو.
جاسبان دايك هو عالم البيئة في متنزه بيلا نسبرج وهو يعرف المنطقة مثلي تمامًا وسنتولى مهمة إرشاد الطيار خلال عملية البحث، أعرف أن جامبني سيخاف عندما يعرف صوت المروحية، أنا أيضاً متوتر فيمكن أن يطرأ حادث خطر، يملك جامبني الأفضلية لأنه سيسمع صوتنا قبل أن نتمكن نحن من رؤيته ويمكن أن يختبئ في أماكن كثيرة أخذت طيارة إلى الوادي الذي نمت فيه إلى جانب جامبني الليلة السابقة دام بحثنا بعض الوقت ولكنه خرج في النهاية إلى السهل المفتوح تحتنا أطلق عليه ماركوس السهم المهدئ ولحقنا به ثم اتصلنا بالطاقم الأرضي لنخبرهم أننا نجحنا في إصابته، وجه الطيار جامبني إلى منطقة مكشوفة وفيما بدأ بتخفيف سرعته أطلعنا الطاقم الأرضي على موقعنا.
انطلقت الشاحنات التي تحتمل المعدات اللازمة لنقل وحيد القرن باتجاهنا، علينا أن نبدأ العمل على جامبني فور أن يتوقف عن الحركة ومهمتي هي أن أغطي عينيه لمنعه من رؤية ما يجري حوله ولمنعهما من الجفاف، هذه أخطر أوقات العملية بالنسبة لجامبني.
قطعنا رأس قرن جابمياني لمنعهم من إيذاء نفسه ومن حوله خلال نقله، على غرار الأظافر البشرية سيستغرق قرنه بعض الوقت لينمو من جديد، يتم أخذ عينات الدم والقياسات اللازمة، أحضرت الشاحنة التي تحمل صندوق السفر إلى الموقع المناسب عكس ماركوس مفعول المهدئ وما إن أفاق حتى انقسمنا بين فريق يسحب من الأمام وآخر يدفع من الخلف، جامبني ليس مسرورًا البتة داخل الصندوق تم رفع الصندوق وإذا بي أدرك فجأة أن قوائمه لن تمس تراب بيلا نسبرج مجددًا، فيعتصر الألم قلبي.
سأشتاق إليه كثيراً ولكن قدومه إلى ملاوي سيعود عليها بمنفعة كبيرة، أعرف أنه سالم الآن ولكن لا تزال أمامه رحلة طويلة، سافرنا ليلاً إلى متنزه كروجر الوطني حيث سينتظر جامبني قبل أن ينطلق إلى ملاوي.
لدى وصولنا يتم إطلاق سراحه في حظيرة مسيجة تدعى البهمة، إنه خائف وحانق، سنتركه هنا ليهدأ لأنه سيقابل زوجته الجديدة غداً.
مع حلول الصباح كان جامبني قد تآلف مع محيطه، وضعت الأنثى في الحظيرة المجاورة له، تم إحضارها من متنزه مراكيل الوطني وهي بالغة العدائية، مع أن اسمها هو جيم موي أي اللطيفة، يمكن أن تؤذي نفسها بالانقضاض على السياج لذا نحاول أن نبتعد عنها قدر الإمكان، هنا يقيم ماركوس وسيهتم بوحيدي القرن قبل رحلتهما إلى مالاوي في هذه الأثناء نعلمهما كيفية اللحاق بالعلم لكي نتمكن من التحكم بحركتهما.
يبدو أن جامبني قد هدأ واستقر في حظيرته أطلق دائماً صوتًا خفيفًا كفيلاً بتهدئة وحيد القرن، أصبح الوقت مناسبًا لنقل الحيوان كما أننا تلقينا خبرًا ساراً، فقد اكتشف ماركوس أن جيم وموي حامل، هذه نعمة غير متوقعة، وقد تكون سبب عدائيتها عند اقتراب موعد الرحيل اتخذنا قرارًا جديدًا بنزع قرن جامبني فقد أظهر عدائية تجاه جيم موي ويمكن أن يؤذيها وجنينها عند إطلاق سراحهما، يبدو مظهره غريباً ولكن القرار مناسب، في ملاوي سيكون بمأمن من الضواري ومن أي وحيد قرن آخر يمكن أن يؤذيه، في يوم الرحيل إلى ملاوي يتم تخدير جمبني باكرًا، لقد أجدى التدريب على اللحاق بالعلم نفعاً فإذا به يتبع العلم بهدوء إلى داخل الصندوق، ستنقضي عشر ساعات منذ موعد تخديره إلى موعد إدخاله الحظيرة في ملاوي ويمكن أن تقع حوادث كثيرة وهذا ما سنراه بعد قليل.
جاءت الطائرة التي ستنقلنا إلى ملاوي من زمبابوي عندما حملنا الصندوق الذي يحمل جامبني إلى باب الطائرة اكتشفنا أننا لا نستطيع إدخاله قياسه يناسب الطائرة لكننا أدخلناه من زاوية غير مناسبة ونحتاج إلى المزيد من الفراغ فوقه.
تحريك الصندوق صعب جداً بما أنه يحتوي على حيوان يزن أكثر من طن، إنها حالة مقلقة، بعد جهد كبير تمكنا من إقحام الصندوق في الطائرة وأخيرًا أصبحنا جاهزين.
ستستغرق الرحلة ثلاث ساعات والضجيج شديد جداً داخل الطائرة فأحاول أن أواسي جامبني بصوتي فأنا الرابط الوحيد بينه وبين وطنه.
وقع الاختيار على متنزه ليوندي الوطني ليكون موطنه الجديد، تدعى ملاوي قلب إفريقية الدافئ وليوندي إحدى أروع مناطقها، إنها في موسم الجفاف ولكن السهول المحيطة بنهر شاير يانعة الخضرة، سيكون المتنزه موطنًا مناسبًا لوحيدي القرن وأنا شديد الحماس لفكرة العودة إلى وطني مع هذه الهدية القيمة من جنوب إفريقيا، لكنني لا أستطيع التفكير في ذلك الآن، لقد أخبرنا الطيارون أن الحرارة على الأرض مرتفعة جداً جامبني موجود داخل الصندوق منذ أكثر من ثماني ساعات وعلينا أن ننقله إلى حظيرته الجديدة على وجه السرعة، ينتظرنا أصدقاؤنا في ملاوي في مهبط الطائرات لمساعدتنا على إنزال الصندوق.
رافقت قافلة من الشاحنات التي تنقله إلى حظيرته الجديدة فيما عادت الطائرة أدراجها إلى جنوب إفريقيا لإحضار جيمو موي.
جامبني في حالة ممتازة على الرغم من المحنة التي عاناها وما إن أطلقنا سراحه حتى سارع إلى استكشاف حظيرته الجديدة، جاء تلبية لندائي قلت له: لا تقلق كنت عائلا وسمح لي بملامسته، لقد زادت ثقته بي، كلمته ثانية قائلاً: هذا موطنك الجديد الآن حافظ على هدوئك يا صديقي لا تقلق عليه أن يرتاح ويتغذى طوال الليل لأن الطائرة ستعود غدًا لتجلب جيمو موي.
استيقظنا في الصباح الباكر لتهيئة حظيرة جيمو موي، قاسى جامبني وجيمو موي كثيراً خلال الأسابيع القليلة الفائتة، وعلينا تركهما وحدهما بدون أي تدخل بشري لكي يتكيف مع بيئتهما الجديدة، تسنى لي أن أتعرف على الرجل الذي سيكون مسؤولا عن جامبني هنا في ملاوي وهو يدعى جابل زمبا، كان ينتظر هذا اليوم بفارغ الصبر مثلي.
لم نتقابل من قبل ولكن أخبرني الجميع هنا أن زمبا رجل طيب، ذهبنا إلى الحظيرة معاً ليقابل وحيدي القرن، حرصًا على سلامة وحيدي القرن عمد المسؤولون إلى تسييج مساحة كبيرة لهما في وسط المتنزه سيخفر حراس المتنزه المسلحون المنطقة، وسيتبع زمبا وحيد القرن ويقتفي أثرهما عند إطلاق سراحهما من الحظيرة، عادت الحيوانات للتكاثر هنا مجددا لحماية وحدة مكافحة الصيد، سيعيش جامبني وعائلته الجديدة بسلام وأمان هنا.
فسرت لزمبا أن عليه أن يعود جامبني على صوته، فهما سيتقابلان في البرية ومن الأفضل أن يعتاد جامبني على صوت الرجل المسؤول عنه، آمل أيضاً ألا يطارد زمبا فوق الأشجار، أعتقد أن جامبني يستلطقه لكن جيمو موي لا تزال مستاءة من الجميع، حان الوقت لنتركهما للراحة، يجب أن يعتادا محيطهما وأنواع العشب الجديدة قبل إطلاق سراحهما.
انقضى أسبوع عى وصولهما إلى ملاوي، هطلت الأمطار في الأيام السابقة ويشعر ماركوس أن الوقت مناسب لإخلاء سبيلهما، يبدي قلقه من حالة شيمو موي وامتناعها عن الأكل عليها أن تكون طليقة في البرية في هذه المرحلة من حملها، لكي تأكل بنفسها سيتم نقلها أولاً فإذا هدأنا جامبني قبلها ستحاول أن تحميه من خلال السياج مما قد يعرضها وجنينها للخطر.
أصابها ماركوس بسهم مهدئ فاستغرقت بضع دقائق لتهدأ، فسارعنا إلى تزويدها بجهاز لاسلكي لمساعدة زمبا والآخرين على العثور عليها في الملاذ المخصص لها، يستطيع جمبني رؤيتها من خلال السياج ويبدي تضايقه من كل ما يجري، ويناديها بأصوات أشبه بالأنين، إنه يحاول مخاطبتها ولكنها لا ترد، جاء الجنود التابعون لوحدة مكافحة الصيد لمساعدتنا وهذه المرة الأولى التي يرون فيها وحيد قرن، من المهم جداً أن يدركوا أهمية هذه الحيوانات التي يخاطرون بسلامتهم في سبيل إنقاذها.
نقلت جيمو موي إلى موقع في وسط الملاذ البري حيث أطلق سراحها، ستكون هناك وحدها حوالي ساعة إلى أن يتم إطلاق سراح جامباني أيضاً، لا نتبعهما لكنني آمل أن يلتقيا بسرعة، حان الآن دور جيمباني، عندما يصاب وحيد القرن الأسود بالسهم المهدئ يشرع بالدوران ببطء حول نفسه، يستمر الأمر لبعض الوقت، ثم يتوقف عن الحركة، توقف جيمباني عن الحركة في الزاوية، ولكنه معرض لخطر الاختناق، فهو يلقي بثقله على خطمه وفمه، علينا أن نبعده عن جدار الحظيرة لكنه قوي جداً ولا يدرك أننا نحاول مساعدته، تطلب الأمر بعض الجهود لكننا تمكنا أخيرا من إرجاعه إلى الخلف واستعاد تنفسه الطبيعي.
خلال توجهنا نحو الملاذ البري تنبهت فجأة إلى أن هذه ستكون خاتمة مشوار طويل اجتزته مع وحيد القرن هذا الذي يحمل اسمي، عندما يفتح هذا الصندوق سيكون جمبني حرًا طليقًا في أرض وطنه، أتخيل أن جدي يراقب ما يحدث ويشعر بسعادة في هذا اليوم، أتمنى أن يؤسس جيمباني وجيم موي عائلة جديدة لهما في ملاوي، هذه نهاية الرحلة بالنسبة لي، ولكنها بداية رحلة جديدة بالنسبة لجيمباني، الذي يحمل على عاتقه آمال أمة بكاملها، آن الأوان لكي أعود إلى جنوب إفريقية، جيمباني وجيم موي بحالة جيدة.
عدت الآن إلى بيلا نسبرج وتبدو رحلتي إلى ملاوي أشبه بحلم بعيد، أستغرب غياب جيمباني عن بقعته المحببة قرب الجدول، لكنني لست حزينًا لأني وجدت وحيد قرن آخر ليحل محله.
عثرت اليوم على مولودة جديدة قرب الصخور، إنها آخر إضافة إلى متنزه بيلانسبرج وقد تكون أصغر وحيدة قرن سوداء في العالم بأسره، وهذه مدعاة فرح كبير وهذا سيكون اسمها فرح.